حضور شيء ووجوده لموجود مجرّد / ١١٥ DA / قائم بذاته ، وكلّ مجرّد قائم بذاته يصدق انّ ذاته حاضرة عند ذاته موجودة لذاته ، فيكون ذاته عاقلة لذاته وكلّ مادّي موجود لغيره ، فلا يكون موجودا لذاته حاضرا عند ذاته. / ١٢٠ MA / وقد علمت انّ كون التعقّل عبارة عن الحضور بمعنى عدم الغيبة لا يفيد ، وبمعنى الانكشاف غير مسلّم ، ووجود المادّي لغيره بمعنى عدم الغيبة عن هذا الغير لا يمنع من انكشاف ذاته لذاته.
فالحقّ في اثبات المطلوب حينئذ ـ أي : كون كلّ مجرّد عاقلا لذاته وعدم كون مادّي عاقلا لذاته ـ بحيث يندفع الشكوك والشبهات أن يقال : لا ريب في أنّ كلّ عاقل مجرّد ، فانّ المدرك للصور العقلية المجرّدة لا يمكن أن يكون مادّيا ـ لما بيناه سابقا من انّه لو كان المحلّ مادّيا لكان الحالّ أيضا مادّيا ـ ، وبذلك يثبت أنّ المادّية مانعة من ادراك المجرّد. وما يصحّ أن يدرك المجرّد ومن شأنه ذلك انّما هو المجرّد القائم بذاته ، لانّ المجرّد القائم بغيره ـ أعني : الصورة العقلية المجرّدة الكلّية ـ لا يمكن أن يدرك شيئا بالضرورة والاتفاق ، فمنشأ صحّة التعقّل ـ أي : ادراك المجرّد ـ سواء كان مجرّدا قائما بذاته أو صورة عقلية مجرّدة إنّما هو التجرّد. ثمّ نقول : التجرّد كما هو منشأ لصحّة التعقّل وامكانه إن كان منشأ لحصوله بالفعل أيضا يثبت المطلوب ـ أعني : كون كلّ مجرّد عاقلا لذاته ، بل لكلّ شيء ـ. وإن توقّف التعقّل بالفعل على شيء آخر نقول : هذا الشيء الآخر لا يخلو : إمّا أن يكون قوّة وخاصّة متحقّقة في ذات المجرّد العاقل أو علاقة ورابطة بينه وبين المجرّد المعقول. وعلى الأوّل إن كان تلك القوّة متحقّقة في كلّ مجرّد ثبت المطلوب ـ لانّ كلّ مجرّد حينئذ مشتمل على تلك القوّة الّتي هي شرط حصول التعقل بالفعل ـ فيكون عاقلا بالفعل لذاته ولما عداه. وإن كانت متحقّقة في بعض المجرّدات دون بعض آخر نقول : لا ريب في انّ تلك القوّة لا يخلو إمّا أن تكون منشأ لزيادة التجرّد واشدّيته ونقصانه وضعفه أو لا تتفاوت بها التجرّد زيادة ونقصانا ، والأوّل غير ممكن ـ لما يأتي من أنّ انضمام أمر إلى المجرّد بأيّ طريق كان يوجب نقصان تجرّده بالنسبة إلى مجرّد هو عري عن هذا الأمر ـ. على أنّا نقول : بناء على هذا الشقّ يكون ما هو أشدّ تجرّدا مشتملا على تلك القوّة البتّة ، لانّ المفروض منشئيّة هذه القوّة لزيادة التجرّد وشدّته ولا ريب في أنّ الواجب في أعلى مراتب التجرّد وتجرّده