حقائقها الكلّية وطبائعها المجرّدة ، وهو العلم الحصولي الّذي ينقسم إلى التصور والتصديق. وبه يعلم حقائق الأشياء وحدودها وذاتياتها ولا يعلم ذلك بالعلم الحضوري. ولذا قد يكون شيء حاضرا ومنكشفا للآخر ولا يعلم حقيقته ، فانّ الشجاعة حاصلة في نفس الشجاع حاضرة عندها ولا يعلم حقيقتها وحدّها. وبالجملة المعلوم ممّا ذكرتم انّ ادراك الشيء بالعلم الحصولي ليس من شأن المادّي ولا يمكن حصوله له ـ لاستلزامه انقسام الصورة العقلية ومادّيتها ـ ، بل هو مختصّ بالمجرّد القائم بذاته. ولم يظهر ازيد من ذلك من دليلكم ولم يظهر منه عدم جواز ادراك المادّي للشيء بالعلم الحضوري واختصاصه بالمجرّد ؛ وحينئذ نقول : يجوز أن يكون المادّي مدركا للأشياء بالعلم الحضوري بأن ينكشف بعض الأشياء له لحصول نوع ارتباط وعلاقة من العلاقات المذكورة ؛ بل نقول : يجوز أن يشترط هذا النوع من العلم ـ اي : العلم الحضوري ـ بشرط آخر سوى الحضور للمجرّد القائم بذاته ، لانّ ما حصل من دليلكم انّ مصحّح العلم الحصولي هو التجرّد وموجبه بالعقل ليس الاّ أحد العلاقات المذكورة ، وهذا لا يوجب أن يكون العلم الحضوري أيضا كذلك ، فلم لا يجوز أن يكون مصحّحه شيئا غير التجرّد وموجبه بالفعل شيئا آخر من العلاقات المذكورة أو غيرها؟! ، لانّ انكشاف الأشياء ـ سواء كانت مادّية أو مجرّدة ـ للمادّى بالحضور لا يستلزم ارتسام صورها الكلّية العقلية في ذاته حتّى يوجب انقسام المجرّد ومادّيته.
قلت : لا ريب في تحقّق الانكشاف وحصوله في كلّ من العلم الحصولي والحضوري ، إلاّ انّ شرط حصول الانكشاف بالفعل في الحصولي هو الصورة وقيامها بالمدرك ، وشرطه في الحضوري هو حضور ذات المدرك عند المدرك بأحد الأنحاء المذكورة ، والغرض انّ مصحّح الانكشاف الحصولي هو التجرّد بمعنى انّ ما من شأنه ان يحصل له هذا الانكشاف هو المجرّد دون المادّي ، فالمادّي من حيث هو مادّي لا يناسب ذاته هذا الانكشاف ولا يمكن عليته له. ولا ريب في أنّ الانكشاف الحضوري ليس مخالفا بالنوع لهذا الانكشاف ، لانّ حقيقتها واحدة ، كيف وحقيقة كلّ منها ظهور شيء عند غيره لقيام الربط والعلاقة. إلاّ انّ الظاهر في الحصولى أوّلا وبالذات صورة وفي الحضوري عين