لفسدتا ، فغير الله وصف توضيحى لان التعدد يفهم من صيغة الجمع وكل متعدد غير الواحد.
اقول : ان الذى قالوه انما يتم لو كان المراد بآلهة فى الآية تعدد المدبر لامر السماء والارض كما هو مصرح فى كلامهم ، واما لو كان المراد بها تعدد المعبود كان مفاد الآية : لو كان فيهما معبودون ولا يعبد الله تعالى فيهما لفسدتا ، ومفهومه ان عبد فيهما الله وعبد من دونه آلهة لم تفسدا ، وهذا المفهوم هو الواقع المشاهد الناطق به آيات كثيرة فان الآيات تنادى ان الناس يعبدون اصنامهم والمؤمنون يعبدون الله تعالى ، وهذا نظير ما فى الحديث : لو لا حجة الله فى الارض لساخت باهلها ، وهذا الذى قلت يؤيده الآية السابقة لان آلهة فيها بمعنى معبودين بلا كلام ، وعلى هذا فالا للاستثناء لا بمعنى غير.
ان قلت : ان لفظ الله بعد الا قرى بالرفع اجماعا ، ولو كان الا للاستثناء لوجب نصبه لان اجماع النحاة على انه لا يجوز ابدال المستثنى عن المستثنى منه فى الكلام الموجب ، قلت : ان الذى قلت انما هو بالنظر الى المعنى لا الى اللفظ والاعراب ، مع ان المبرد على ما نقل ابن هشام ذهب الى ان الا فى الآية للاستثناء وان ما بعده بدل ، على انا ذكرنا فى القسم الثانى شواهد على مجىء المستثنى بدلا فى الكلام الموجب ، وليكن هذه الآية منها.
واما قول ابن هشام : ان آلهة جمع منكر فى الاثبات فلا عموم له فلا يصح الاستثناء منه فجوابه انه منقوض بما جاء فى كتاب الله متصلا ومنقطعا ، وان كان مراد المانع هو المتصل ، نحو قوله تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ـ ٣٨ / ٢٤ ، الذين آمنوا مستثنى متصل وكثيرا مستثنى منه ، وهو شبه جمع منكر ، وقوله تعالى : (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ) ـ ١٥ / ٥٨ ، آل لوط مستثنى منقطع وقوم مجرمين مستثنى منه ، وهو اسم جمع منكر ، واما مجىء الا بمعنى غير ففى هذين البيتين.