مثلا : اذا توجهت الى مبدء الوجود بوصف الاحدية او الازلية قلت عرفته ، واذا اسندت احديهما اليه وقلت : هو واحد او هو ازلى فقد علمته ، وان اردت ان تخبر عن علمك هذا قلت : علمته احدا او علمته ازليا ، ولذا قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ـ ٤٧ / ١٩ ، فان المامور به هو العلم بنسبة هذه القضية ، ولم يقل فاعرف ، والتعبير بذاك ان يقال : فاعرف الله بالالوهية ، كما ورد فى الحديث : اعرفوا الله بالله اى بهذا الوصف له واعرفوا الرسول بالرسالة واولى الامر بالعدل والاحسان.
واذا تصورت الانسان بما ان له الجسمية والنمو وقوة الادراك والفعل فقد عرفته ، وعلمك به تصورى ، واذا قلت : الانسان جسم نام دراك فعال فقد علمته ، واذا تصورت جماعة بوصف الايمان فقد عرفتهم ، واذا قلت : هولاء مؤمنون فقد علمتهم ، واذا تصورت زيدا بوصف العلم وكونه ابنا لعمرو ومتولدا فى بلد كذا وتاجرا او حائكا مثلا فقد عرفته ، واذا اسندت اليه احدى هذه الجهات فقد علمته.
وان كان تصورك لهذه الامور بدون الجزم بتلك الحيثيات فهو التهمة ، كما تتصور زيدا بوصف سرقة مالك او قتل ولدك او عمرا بوصف الاجتهاد او العدالة ولم تكن جازما بها ، ولا فرق بين الجهة الحسنة والقبيحة فى اطلاق التهمة ، وان كان متبادر العرف الجهة القبيحة ، وان اسندتها فانت ظان بنسبة القضايا.
ومثال علم العرفان من الآيات قوله تعالى : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) ـ ٢٤ / ٤١ ، (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) ـ ٤٥ / ٩ ، ويستعمل مكانه عرف ، نحو قوله تعالى : (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) ـ ١٢ / ٥٨ ، والانكار عدم المعرفة ، ويطلق ايضا على الجحد بالنسبة المعلومة.
واعلم ان كل معرفة تصور وليس كل تصور معرفة ، وان حصول المعرفة انما هو بعد العلم ، مثلا انك تتصور مبدء الوجود اى بهذا العنوان لا المصداق فان تصوره ممتنع ، ثم تتصور معنى الوحدة ، والتصوران ليسا بعلم ولا معرفة ، ثم تشكل القضية