(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم) (١) الله أعلم بمراده بذلك ، (ذلِكَ) أي هذا
________________________________
وجوبها. وقال ابن سيرين : إذا تعوذ الرجل في عمره مرة واحدة كفى في إسقاط الوجوب. ووقت الإستعاذة قبل القراءة عند الجمهور. وحكي عن النخعي أنه بعد القراءة ، وهو قول داود وأحد الروايتين عن ابن سيرين ، ومعنى أعوذ بالله ألتجىء اليه وأتحصن به مما اخشاه ، والشيطان أصله من شطن أي بعد عن الرحمة وقيل من شاط بمعنى احترق وهو اسم لكل عات من الأنس والجن ، والرجيم فعيل بمعنى فاعل أي راجم بالوسوسة والشر ، وقيل بمعنى مفعول أي مرجوم بالشهب عند استراق السمع أو بالعذاب أو مطرود عن الرحمة والخيرات ، فحكمة الاستعاذة تطهير القلب من كل شيء يشغل عن الله تعالى ، فإن في تعوذ العبد بالله إقرارا بالعجز والضعف واعترافا بقدرة الباري وأنه الغنى القادر على دفع المضرات وإن الشيطان عدو مبين وقد دخل منه في الحصن الحصين.
قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) اختلف الأئمة في كون البسملة من الفاتحة وغيرها من السور سوى سورة براءة ، فذهب الشافعي وجماعة من العلماء إلى أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة ذكرت في أولها سوى سورة براءة ، وقال به جماعة من الصحابة ، وذهب الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة إلى أن البسملة ليست آية من الفاتحة ، وزاد أبو داود ولا من غيرها من السور وإنما هي بعض آية في سورة النمل وإنما كتبت للفصل والتبرك ، قال مالك ويكره استفتاح صلاة الفرض بها ، واختلفت الرواية عن أحمد في كونها في الفاتحة أو لا والأحسن أن يقدر متعلق الجار هنا قولوا ، لأن هذا المقام مقام تعليم صادر عن حضرة الرب تعالى.
قوله : (الم) : اعلم أن مجموع الأحرف المنزلة في أوائل السور أربعة عشر حرفا وهي نصف حروف الهجاء ، وقد تفرّقت في تسع وعشرين سورة : المبدوء بالألف واللام منها ثلاث عشرة ، وبالحاء والميم سبعة ، وبالطاء أربعة ، وبالكاف واحدة ، وبالباء واحدة ، وبالصاد واحدة ، وبالقاف واحدة ، وبالنون واحدة ، وبعض هذه الحروف المبدوء بها أحادي وبعضها ثنائي وبعضها ثلاثي وبعضها رباعي وبعضها خماسي ولا تزيد. قوله : (الله أعلم بمراده بذلك) أشار بهذا إلى أرجح الأقوال في هذه الأحرف التي ابتدأ بها تلك السور ، وهو أنها من المتشابه جريا على مذهب السلف القائلين باختصاص الله تعالى بعلم المراد منه ، وعلى هذا فلا محل لها من الإعراب ، لأنه فرع إدراك المعنى فلا يحكم عليها بإعراب ولا بناء ولا بتركيب مع عامل ، ومقابل هذا أقوال : قيل إنها اسماء للسور التي ابتدئت بها ، وقيل اسماء للقرآن ، وقيل لله تعالى ، وقيل كل حرف منها مفتاح اسم من اسمائه تعالى ، أي جزء من اسم ، فالألف مفتاح لفظ الجلالة ، واللام مفتاح اسم لطيف ، والميم مفتاح اسم مجيد ، وهكذا ، وقيل كل حرف منها يشير إلى نعمة من نعم الله ، وقيل إلى ملك ، وقيل إلى نبي ، وقيل الألف تشير إلى آلاء الله ، واللام إلى لطف الله ، والميم إلى ملك الله ، وعلى هذه الأقوال فلها محل من الإعراب ، فقيل الرفع ، وقيل النصب ، وقيل الجر ، فالرفع على أحد وجهين ، إما بكونها مبتدأ ، وإما بكونها خبرا ، والنصب على أحد وجهين أيضا : إما باضمار فعل لائق تقديره اقرؤوا مثلا وإما باسقاط حرف القسم كقول الشاعر :
إذا ما الخبز تأدمه بلحم |
|
فذاك أمانة الله الثريد |
يريد وأمانة الله والجر بوجه واحد وهو أنها مقسم بها حذف حرف القسم وبقي عمله ، أجاز ذلك الزمخشري وإن كان ضعيفا لأن ذلك من خصائص الجلالة المعظمة لا يشاركها فيه غيرها.