أَعْلَمُ) أي عالم (بِما وَضَعَتْ) جملة اعتراض من كلامه تعالى وفي قراءة بضم التاء (وَلَيْسَ الذَّكَرُ) الذي طلبت (كَالْأُنْثى) التي وهبت لأنه يقصد للخدمة وهي لا تصلح لها لضعفها وعورتها وما يعتريها من الحيض ونحوه (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها) أولادها (مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٣٦) المطرود في الحديث ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها رواه الشيخان (فَتَقَبَّلَها رَبُّها) أي قبل مريم من أمها (بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) أنشأها بخلق حسن فكانت تنبت في اليوم كما ينبت المولود في العام وأتت بها أنها لأحبار سدنة بيت المقدس فقالت دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها بنت إمامهم
____________________________________
من قبل أن تعلم بها هي. قوله : (أُنْثى) حال من الضمير في وضعتها مؤكدة له ، ويحتمل أن تكون مؤسسة بالنظر لعوده على النسمة الشاملة للذكر والأنثى. قوله : (جملة اعتراض) أي بين كلامي حنة تفخيما وتعظيما لشأن ذلك المولود. قوله : (وفي قراءة) أي سبعية. قوله : (بضم التاء) أي ويكون ذلك من كلامها اعتذارا. قوله : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) يحتمل أن يكون ذلك من كلام الله والمعنى ليس الذكر الذي طلبته كالأنثى التي أعطيتها لك ، فإن ما وهبته لك أعظم مما طلبته لنفسك ، فالقصد تفخيم شأنها ، ويحتمل أن يكون من كلام حنة ويكون في الكلام قلب ، والمعنى ليست الأنثى التي وهبت لي كالذكر الذي طلبته ، فالذكر أعظم من حيث قوته على الخدمة وخلوه من القذارة كالحيض والنفاس ، فيكون اعتذارا واقعا منها. قوله : (ونحوه) أي كالنفاس.
قوله : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها) معطوف على إني وضعتها أنثى ، ويكون ما بينهما اعتراض علي أنه من كلام الله ، وأما على أنه من كلامها فتكون من جملة مقولها. قوله : (مَرْيَمَ) معناه بلغتهم العابدة خادمة الرب. قوله : (وَإِنِّي أُعِيذُها) أي أحصنها وأجيرها. قوله : (أولادها) أي ولم تلد إلا عيسى. قوله : (الرَّجِيمِ) فعيل بمعنى مفعول أي مطرود كما قال المفسر ، أو مرجوم بالشهب من السماء. قوله : (إلا مسه الشيطان) أي نخسه في جنبه وظاهره حتى الأنبياء وهو كذلك. إن قلت الأنبياء معصومون من الشيطان فلا سبيل له عليهم ، أجيب بأنهم معصومون من وسوسته وإغوائه لا من نخسه في أجسامهم ، فإن ذلك لا يقدح في عصمتهم منه. إن قلت إن موضوع الآية أن دعوة أم مريم كانت بعد وضعها وتسميتها ، فلم تنفع مريم من نخس الشيطان ، وإنما نفعت ولدها فقط ، فلم تحصل مطابقة بين الآية والحديث إلا أن يقال إن حفظهما من نخس الشيطان كان واقعا ، وإن لم تدع حنة فدعوتها طابقت ما أراده الله بهما ، ومع ذلك فالمناسب للمفسر أن لا يأتي بالحديث تفسيرا للآية ، وقد ورد أن الشيطان نخسهما أيضا إلا أنه صادف الغشاء.
قوله : (فَتَقَبَّلَها) أي رضي بها خادمة لبيت المقدس ، وخلصها من دنس الأطفال والنساء. قوله : (بِقَبُولٍ) يحتمل أن الباء زائدة أي قبولا ، ويكون منصوبا على المصدر المحذوف الزوائد ، وإلا لقيل تقبلا أو تقبيلا ، ويحتمل أنها أصلية ، والمراد بالقبول اسم لما يقبل به الشيء كالوجور والسعوط. قوله : (كما ينبت المولود في العام) أي في العقل والمعرفة ، وإلا فالكلام من قبيل المبالغة. قوله : (سدنة بيت المقدس) أي خدمته. قوله : (هذه النذيرة) أي المنذورة. قوله : (لأنها بنت إمامهم) أي رئيسهم وأميرهم. قوله :