كما تخرج الحية من جلدها وهو بلعم بن باعوراء من علماء بني إسرائيل سئل أن يدعو على موسى وأهدي إليه شيء فدعا فانقلب عليه واندلع لسانه على صدره (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) فأدركه فصار قرينه (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (١٧٥) (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ) إلى منازل العلماء (بِها) بأن نوفقه للعمل (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ) سكن (إِلَى الْأَرْضِ) أي الدنيا ومال إليها (وَاتَّبَعَ هَواهُ) في دعائه إليها فوضعناه (فَمَثَلُهُ) صفته (كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ) بالطرد والزجر (يَلْهَثْ) يدلع لسانه (أَوْ) إن (تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) وليس غيره من الحيوان كذلك وجملنا الشرط حال أي لاهثا ذليلا بكل حال والقصد التشبيه في الوضع والخسة بقرينة الفاء المشعرة بترتب ما بعدها على ما قبلها من الميل إلى الدنيا واتباع الهوى وبقرينة قوله (ذلِكَ) المثل (مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) على اليهود (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٧٦) يتدبرون فيها فيؤمنون (ساءَ) بئس (مَثَلاً الْقَوْمُ) أي مثل القوم (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) (١٧٧) بالتكذيب (مَنْ يَهْدِ
____________________________________
فسأمكر لكم واحتال ، احملوا النساء وزينوهن وأعطوهن السلع ، ثم أرسلوهن إلى عسكر بني إسرائيل يبعنها فيه ، ومروهن أن لا تمنع امرأة نفسها من رجل راودها ، فإنه إن زنى رجل بواحدة كفيتموهم ، ففعلوا ، فلما دخل النساء العسكر ، مرت امرأة من الكنعانيين على رجل من عظماء بني إسرائيل ، وكان رأس سبط شمعون بن يعقوب ، فقام إلى المرأة وأخذ بيدها حين أعجبه جمالها ، ثم أقبل بها حتى وقف على موسى وقال : إني أظنك أن تقول هذا حرام عليك ، قال : أجل هي حرام عليك لا تقربها ، قال : فو الله لا نطيعك ، ثم دخل بها قبته فوقع عليها فأرسل الله عليهم الطاعون في الوقت ، فهلك منهم سبعون ألفا في ساعة من النهار. قوله : (من علماء بني إسرائيل) أي بل قيل بنبوته والحق خلافه. لأن الأنبياء معصومون من كل ما يغضب الله تعالى. قوله : (وأهدي إليه شيء) أي في نظير الدعاء عليهم ، وتسمى تلك الهدية رشوة ، وهي محرمة في شرعنا ، والذي ألجأه المنصب. قوله : (واندلع لسانه) أي تدلى. قوله : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) هذا مبالغة في ذمه ، حيث كان عالما عظيما ، ثم صار الشيطان من أتباعه. قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ) مفعول المشيئة محذوف تقديره رفعته. قوله : (بِها) أي بسبب تلك الآيات. قوله : (ولكنه أخلد) أي مال واطمأن. قوله : (كَمَثَلِ الْكَلْبِ) أي الذي هو أخس الحيوانات. قوله : (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ) أي تشدد عليه وتجهده يلهث أي يخرج لسانه. قوله : (أَوْ تَتْرُكْهُ) أي من غير تشدد عليه. قوله : (وليس غيره من الحيوانات كذلك) أي بل غيره يلهث في حال التعب فقط. قوله : (ما بعدها) أي وهو الانسلاخ ، وقوله : (من الميل الخ) بيان لما قبلها.
قوله : (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ) أي اليهود الذين أوتوا التوراة ، وفيها صفات النبي صلىاللهعليهوسلم وأخلاقه وشمائله ، فغيروا وبدلوا. قوله : (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) أي الذي أوحي إليك ، ليعلموا أنك علمته من الوحي فيؤمنون. قوله : (على اليهود) لا مفهوم له ، بل المراد اقصص القصص على أمتك ليتعظوا بذلك. قوله : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) ساء فعل ماض لإنشاء الذم ، و (مَثَلاً) تمييز (الْقَوْمُ) فاعل على حذف مضاف تقديره مثل القوم ، والخصوص بالذم محذوف تقديره مثلهم.