هذا أوانك فاحضري (عَلى ما فَرَّطْنا) قصرنا (فِيها) أي الدنيا (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) بأن تأتيهم عند البعث في أقبح صورة وأنتنه ريحا فتركبهم (أَلا ساءَ) بئس (ما يَزِرُونَ) (٣١) يحملون حملهم ذلك (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي الاشتغال بها (إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) وأما الطاعات وما يعين عليها فمن أمور الآخرة (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) وفي قراءة ولدار الآخرة أي الجنة (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الشرك (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٣٢) بالياء والتاء ذلك فيؤمنون (قَدْ) للتحقيق (نَعْلَمُ إِنَّهُ) أي الشأن (لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) لك من التكذيب (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) في
____________________________________
وحسرتنا منادى منصوب بفتحة ظاهرة لأنه مضاف لنا. قوله : (هي شدة التألم) أي التلهف والتحسر على ما فات. قوله : (ونداؤها مجاز) أي تنزيلا لها منزلة العاقل ، لأنه لا ينادى حقيقة إلا العاقل ، والمقصود التنبيه على أن هذا الكافر من شدة هوله لم يفرق بين خطاب العاقل وغيره ، ومثله ، يا ويلنا فتأمل.
قوله : (عَلى ما فَرَّطْنا) أي من الأعمال الصالحة في الدنيا. قوله : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ) لجملة حالية من الواو في قالوا. قوله : (بأن تأتيهم الخ) ورد أن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيب ريحا ، فيقول : هل تعرفني؟ فيقول لا ، فيقول أنا عملك الصالح فاركبني فقد طال ما ركبتك في الدنيا ، فذلك قوله تعالى (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) يعني ركبانا ، وأما الكافر فيستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا ، فيقول : هل تعرفني؟ فيقول لا فيقول أنا عملك الخبيث طالما ركبتني في الدنيا فأنا أركبك فذلك قوله تعالى (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ). قوله : (أي الاشتغال فيها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، والمعنى أن الاشتغال في الحياة الدنيا عن خدمة الله وطاعته لعب ولهو ، وليس المراد أن مطلق الحياة الدنيا لعب ولهو ، بل ما قرب منها إلى الله فهو مزرعة للآخرة ، وما أبعد منها عنه فهو حسرة وندامة.
قوله : (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي لأن منافعها خالصة من الكدورات وعزها دائم. قوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير ألا يتفكرون فلا يعقلون. قوله : (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله : (قَدْ نَعْلَمُ) المقصود من هذه الآية وما بعدها تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم على ما وقع من الكفار من التكذيب وغيره ، وتهديد لهم لعلهم يرجعون ، وقد للتحقيق ، نظير قوله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ). قوله : (إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ) بكسر الهمزة لدخول اللام المعلقة لنعلم عن العمل في حيزها ، قال ابن مالك :
وكسروا من بعد فعل علقا |
|
باللام كاعلم إنه لذو تقى |
وإن حرف توكيد ، والهاء اسمها ، واللام لام الابتداء زحلقت للخبر لئلا يتوالى حرفا تأكيد ، ويحزنك خبرها ، و (الَّذِي) فاعل يحزن و (يَقُولُونَ) صلتها ، والعائد محذوف تقديره يقولونه ، والجملة من إن واسمها وخبرها في محل نصب سدت مسد مفعولي نعلم ، فإن التعليق إبطال العمل لفظا لا محلا كما هو مقرر. قوله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) الفاء للتعليل ، والمعنى لا تحزن من تكذيبهم لك ، واصبر ولا تكن في ضيق مما يمكرون ، فإنهم لا يكذبونك في الباطن ، بل يعتقدون صدقك ، وإنما تكذيبهم عناد