حيث شاءت كما ورد في الحديث (يُرْزَقُونَ) (١٦٩) يأكلون من ثمار الجنة (فَرِحِينَ) حال من ضمير يرزقون (بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ) هم (يَسْتَبْشِرُونَ) يفرحون (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) من إخوانهم المؤمنين ويبدل من الذين (أَلَّا) أي بأن (خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أي الذين لم يلحقوا بهم (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١٧٠) في الآخرة المعنى يفرحون بأمنهم وفرحهم (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ) ثواب (مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) زيادة عليه (وَأَنَ) بالفتح عطفا على نعمة والكسر استئنافا (اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٧١) بل يأجرهم (الَّذِينَ) مبتدأ (اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) دعاءه بالخروج للقتال لما أراد أبو سفيان وأصحابه العود وتواعدوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم سوق بدر العام المقبل
____________________________________
(يُرْزَقُونَ) خبر ثالث. قوله : (كما ورد في الحديث) أي وهو أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش». وأما أجسادهم فمحلها القبور ، غير أن الأرواح لها تعلق بها ، فلذلك لا يحصل لأجسادهم بلاء ، فأرواحهم لها جولان عظيم من البرزخ إلى أعلى السموات إلى داخل الجنان ، والطيور الخضر لها كالهوادج مع كونها متصلة بجسم صاحبها ، وما وصل للروح من النعيم يحصل للجسم أيضا ، وذلك نظير النائم ، فإن النائم يرى أن روحه في المشرق أو في المغرب مع كونها متصلة بجسمه ، وكالأولياء الذين أعطاهم الله التصريف ، فإن الواحد منهم يكون جالسا في مكان ، وروحه تسرح في أمكنة متعددة ، وربك على كل شيء قدير ، ولذلك قال الله تعالى في آية البقرة : (ولكن لا تشعرون) ومثل الشهداء الأنبياء بل حياة الأنبياء أجل وأعلى ، وأما المؤمنون غير الشهداء والأنبياء فأرواحهم تسرح من القبر إلى باب الجنة ، وتنظر ما أعد لها من النعيم المقيم ، لكن لا تدخلها إلى يوم القيامة ، وذلك يسمى عالم البرزخ ، واتساعه بالنسبة للدينا كاتساع الدنيا بالنسبة لبطن الأم.
قوله : (بِما آتاهُمُ) متعلق بقوله : (فَرِحِينَ) والذي آتاهم الله من فضله هو حياتهم ورزقهم. قوله : (وَ) (هم) (يَسْتَبْشِرُونَ) أشار بذلك إلى أن يستبشرون خبر لمحذوف ، والجملة إما حالية من الضمير في فرحين أو مستأنفة. قوله : (بالذين لم يلحقوا بهم) أي في الموت ، والمعنى أنهم يفرحون بما أعطاهم الله ، ويفرحون بما أعد لإخوانهم الذين لم يموتوا الآن ، سواء كانوا موجودين أو سيوجدون إلى يوم القيامة ، لدخولهم الجنة وإطلاعهم على منازل المؤمنين فيها. قوله : (مِنْ خَلْفِهِمْ) حال من الواو في يلحقوا ، أي حال كون الذين لم يلحقوا بهم متخلفين عنهم. قوله : (المعنى يفرحون) أي المتقدمون ، وقوله : (بأمنهم) أي المتأخرين. قوله : (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) أي لهم ولإخوانهم. قوله : (بالفتح عطفا على نعمة) أي ويكون المعنى يستبشرون بنعمة من الله وفضل وبأن الله لا يضيع إلخ ، وقوله : (والكسر) استئنافا أي في معنى العلة لما قبله ، والقراءتان سبعيتان.
قوله : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا) نزلت في أهل أحد حين دعاهم للقتال ثانيا بعد حصول التفرقة لهم ، فخرجوا وساروا خلف العدو ثمانية أميال ، فوقع بينهم ما وقع في مكان يقال له حمراء الأسد ، فحصل التوافق بين أبي سفيان والنبي أن يرفعوا القتال إلى العام القابل ، والموعد بدر الصغرى ، فسار أبو سفيان وأصحابه ، ومكث النبي صلىاللهعليهوسلم بحمراء الأسد من يوم الأحد إلى يوم الجمعة إذا علمت ذلك ، فقول المفسر (بالخروج للقتال لما أراد أبو سفيان إلخ) ليس بسديد فإن الآية نزلت مدحا لمن أجاب الرسول للقتال ثانيا