الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٣) (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) تقريرا وتبكيتا (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا) من الثواب (حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ) كم (رَبُّكُمْ) من العذاب (حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) نادى مناد (بَيْنَهُمْ) بين الفريقين أسمعهم (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٤٤) (الَّذِينَ يَصُدُّونَ) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (وَيَبْغُونَها) أي يطلبون السبيل (عِوَجاً) معوجة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) (٤٥) (وَبَيْنَهُما) أي أصحاب الجنة والنار (حِجابٌ) حاجز قيل هو سور الأعراف (وَعَلَى الْأَعْرافِ) وهو سور الجنة (رِجالٌ) استوت حسناتهم وسيئاتهم كما في الحديث (يَعْرِفُونَ كُلًّا) من أهل الجنة والنار (بِسِيماهُمْ) بعلامتهم
____________________________________
المواضع الخمسة) أي من هنا إلى قوله : (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ). قوله : (تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) اسم الإشارة مبتدأ ، والجنة خبر ، وقوله : (أُورِثْتُمُوها) حال من الجنة ، أو الجنة نعت لاسم الإشارة وأورثتموها خبره ، وأتى باسم الإشارة البعيدة إشارة لعظم رتبتها ومكانتها على حد ذلك الكتاب.
قوله : (أُورِثْتُمُوها) أي من الكفار ، لأن الله خلق في الجنة منازل للكفار بتقدير إيمانهم ، فمن لم يؤمن منهم جعل منزلة لأهل الجنة فكل واحد من أهل الجنة يأخذ منازل تسعمائة وتسعة وتسعين من أهل النار تضم لمنزله ، فيجتمع له ألف منزل ، فلما كان الغالب منها ميراثا أطلق على جميعها اسم الميراث ، وحكمة إطلاق اسم الارث عليها ، أن الكفار سماهم الله أمواتا بقوله : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) المؤمنين أحياء ، ومن المعلوم أن الحي يرث الميت.
قوله : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الباء سببية ، وما مصدرية ، أي بسبب عملكم. إن قلت ورد في الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لن يدخل الجنة أحد بعمله ، قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته». أجيب بأن الآية محمولة على العمل المصحوب بالفضل ، والحديث محمول على العمل المجرد عنه. قوله : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) إن قلت : إذا كانت الجنة في السماء والنار في الأرض ، فكيف يسمعون النداء؟ أجيب : بأن القيامة خارقة للعادة ، فلا مانع من وصول النداء لهم ، وهذا النداء من كل فرد من أفرد أهل الجنة ، لكل فرد من أفراد أهل النار ، لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة على الآحاد. قوله : (ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) تسميته وعدا مشاكلة ، وإلا فالاخبار بالشر إيعاد لا وعد ، وقدر المفسر الكاف إشارة إلى أن مفعول وعد محذوف ، وقوله : (من العقاب) بيان لما. قوله : (نادى مناد) قيل هو إسرافيل ، وقيل غيره من الملائكة. قوله : (أسمعهم) تفسير لقوله : (بَيْنَهُمْ).
قوله : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ) نعت للظالمين. قوله : (معوجة) أي مائلة عن الحق ، والمعنى أنهم يغيرون دين الله وطريقته التي شرع لعباده. قوله : (حاجز) أي يمنع وصول كل منهما للآخر. قوله : (استوت حسناتهم وسيئاتهم) هذا قول من ثلاثة عشر قولا ، وقيل : أولاد المشركين الذين ماتوا صغارا ، وقيل : أناس خرجوا للغزو في سبيل الله من غير إذن آبائهم ثم قتلوا ، وقيل : ناس بروا آباءهم دون أمهاتهم وبالعكس ، وقيل إنهم عدول القيامة يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة. قوله : (كما في الحديث) أي وهو أن الله يحاسب الناس يوم القيامة ، فمن كانت حسناته أكثر بواحدة دخل الجنة ، ومن