يُبْعَثُونَ) (١٤) أي الناس (قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (١٥) وفي آية أخرى (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) أي وقت النفخة الأولى (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) أي باغوائك لي والباء للقسم وجوابه (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أي لبني آدم (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٦) أي على الطريق الموصل إليك (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) أي من كل جهة فأمنعهم عن سلوكه قال ابن عباس ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (١٧) مؤمنين (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً) بالهمزة معيبا أو ممقونا (مَدْحُوراً) مبعدا عن الرحمة (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) من الناس واللام للابتداء أو موطئة للقسم وهو (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٨) أي منك بذريتك ومن الناس وفيه تغليب الحاضر على الغائب وفي الجملة معنى
____________________________________
الحياة في الدنيا والآخرة ، فأجابه الله لا على مراده ، بل أمهله إلى النفخة الأولى ، ولا نجاه له من الموت ولا من العذاب. قوله : (أي وقت النفخة الأولى) أي لا وقت النفخة الثانية التي طلبها اللعين.
قوله : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) الخ غرضه بهذا أخذ ثأره منهم ، لأنه لما طرد ومقت بسببهم ، أحب أن ينتقم منهم أخذا بالثأر. قوله : (والباء للقسم) أي وما مصدرية ، وما بعدها مسبوك بها ، يشير له قول المفسر بإغوائك لي ، ويصح أن تكون للسببية. قوله : (أي على الطريق الخ) أشار به إلى أن صراط منصوب على نزع الخافض. قوله : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي من الجهات التي يعتاد الهجوم منها ، وهي الجهات الأربع ، ولذلك لم يذكر الفوق والتحت ، وأما الفوق فلكونه لما يمكنه أن يحول بين العبد ورحمة ربه ، كما قال ابن عباس ، وأما التحت فلكبره لا يرضى أن يأتي من ذلك ، ويكثر إتيانه من أمام وخلف ، ويضعف في اليمين واليسار لحفظ الملائكة ، وذكر بعضهم حكمة أخرى لعدم مجيئه من تحت ، لكون الآتي من تحت إنما يريد الازعاج ، وهو يريد التأليف للغاوية ، والأول أقرب ، وإنما عدى الفعل في الأولين بمن الابتدائية ، لأن شأن التوجه منهما بخلاف الأخيرين ، فالآتي منهما كالمنحرف لليسار. قوله : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) يحتمل أنه من الوجدان بمعنى اللقاء فيتعدى لواحد ، وشاكرين حال ، ويحتمل أنه بمعنى العلم فيتعدى لاثنين.
قوله : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً) تأكيد لما تقدم ، ومذؤوم بالهمزة من ذأمه يذأمه ذأما إذا عابه ومقته ، أي أخرج ممقوتا معابا عليك. قوله : (مبعدا عن الرحمة) أي لأن الدحر الطرد والإبعاد ، يقال دحره يدحره دحرا ودحورا ، ومنه قوله تعالى : (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً) وهما حالان من فاعل أخرج. قوله : (واللام للابتداء) أي داخلة على المبتدأ ، فمن اسم موصوف مبتدأ ، و (تَبِعَكَ) صلته ، و (مِنْهُمْ) متعلق بتبعك ، وقوله : (لَأَمْلَأَنَ) جواب قسم محذوف بعد قوله : (مِنْهُمْ) والقسم وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ. قوله : (أو موطئة للقسم) والتقدير والله لمن تبعك ، ومن اسم شرط مبتدأ ، ولأملأن جواب القسم المدلول عليه بلام التوطئة ، وجواب الشرط محذوف لسد جواب القسم مسده. قوله : (وفيه تغليب الحاضر) أي وهو إبليس ، وقوله : (على الغائب) أي وهو الناس. قوله : (وفي الجملة) أي وهي : (لَأَمْلَأَنَ) وقوله : (معنى جزاء من) أي على كونها شرطية ، وتقديره أعذبه.