المقصود خطابهم (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (١٧٢) في الآخرة (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) ثواب أعمالهم (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا) عن عبادته (فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما هو عذاب النار (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (وَلِيًّا) يدفعه عنهم (وَلا نَصِيراً) (١٧٣) يمنعهم منه (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ) حجة (مِنْ رَبِّكُمْ) عليكم وهو النبي صلىاللهعليهوسلم (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (١٧٤) بينا وهو القرآن (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً) طريقا (مُسْتَقِيماً) (١٧٥) هو دين الإسلام (يَسْتَفْتُونَكَ) في الكلالة (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ
____________________________________
قوله : (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ) من اسم شرط ، ويستنكف فعل الشرط ، ويستكبر معطوف عليه ، وقوله : (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) جوابه ، ولكن لما كان فيه إجمال فصله بما بعده ، وجميعا حال من الهاء في يحشرهم ، والمعنى أنه يحشر المستنكفين وغيرهم. قوله : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي فوق مضاعفة أعمالهم. قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) العبرة بعموم اللفظ ، وإن كان السياق لأهل مكة. قوله : (مِنْ رَبِّكُمْ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لبرهان ، أو ظرف لغو متعلق بجاء. قوله : (عليكم) أي إن خالفتم ولكم إن أطعتم. قوله : (وهو القرآن) أي فالعطف مغاير ، ويصح أن يراد بالبرهان النبي وما جاء به ، ويراد بالنور المبين القرآن ، ويكون عطف خاص على عام ، والنكتة الاعتناء بشأن القرآن ، وما مشى عليه المفسر أسهل لعدم الكلفة.
قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ، أي فمنهم من آمن ومنهم من كفر ، فأما الذين آمنوا الخ ، وترك الشق الثاني لأنهم مهملون ولا يعتني بهم ، وأيضا قد تقدم ذكرهم فتركهم اتكالا على ما تقدم ، وأعاد ذكر المؤمنين ثانيا تعجيلا للمسرة والفرح ، وتعظيما لشأنهم. قوله : (وَاعْتَصَمُوا بِهِ) أي تمسكوا به. قوله : (فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ) أي وهي الجنة ، من باب تسمية المحل باسم الحال فيه ، وقوله : (وَفَضْلٍ) أي إحسان وإكرام وزيادة إنعام ، وهو رؤية وجه الله الكريم ودوام رضاه. قوله : (وَيَهْدِيهِمْ) عطف سبب على مسبب ، لأن سبب الجنة هو الهدى في الدنيا.
قوله : (يَسْتَفْتُونَكَ) ختم هذه السورة بهذه الآية لاشتمالها على الميراث ، كما ابتدأها بذلك للمشاكلة بين المبدأ والختام ، وجملة ما ذكر في هذه السورة من المواريث ثلاثة مواضع ، الأول : في ميراث الأصول والفروع وهو قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) إلى آخر الربع. الثاني : ميراث الزوجين والإخوة والأخوات للأم وهو قوله : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ) إلى قوله : (غَيْرَ مُضَارٍّ). الثالث : ميراث الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب وهو هذه الآية ، وأما أولو الأرحام فسيأتي ذكرهم في آخر الأنفال. وسبب نزول هذه الآية أن جابر بن عبد الله تمرض ، فذهب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر ليعوداه ماشيين ، فلما دخلا عليه وجداه مغمى عليه ، فتوضأ رسول الله ثم صب عليه من وضوئه فأفاق ، فقال : يا رسول الله كيف أصنع في مالي : فلم يرد عليه حتى نزلت الآية ، وكان له تسع أخوات وقيل سبع. قوله : (فِي الْكَلالَةِ) تنازعه