وما أنزل إلينا الآية فلما ذكر عيسى قالوا لا نعلم دينا شرا من دينكم (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ) تنكرون (مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) إلى الأنبياء (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) (٥٩) عطف على أن آمنا المعنى ما تنكرون إلا إيماننا ومخالفتكم في عدم قبوله المعبر عنه بالفسق اللازم عنه وليس هذا مما ينكر (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) أخبركم (بِشَرٍّ مِنْ) أهل (ذلِكَ) الذي تنقمونه (مَثُوبَةً) ثوابا بمعنى جزاء (عِنْدَ اللهِ) هو (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) أبعده عن رحمته
____________________________________
تقديره أؤمن بالله ، وقوله : (الآية) أي إلى قوله : (مسلمون) وتلك الآية هي آية البقرة التي أولها (قولوا آمنا) الآية.
قوله : (هَلْ تَنْقِمُونَ) جمهور القراء على كسر القاف من نقم بفتحها وهو الفصيح ، وقرىء شذوذا بفتح القاف ، وماضيه نقم بكسرها ، وهو في الأصل النقض ، ثم أطلق على الكراهية والإنكار ، ولذا عدى بمن دون على. قوله : (مِنَّا) أي من أوصافنا وأخلاقنا. قوله : (إِلَّا أَنْ آمَنَّا) استثناء مفرغ ، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول لتنقموا ، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي ، والمعنى لا تنكرون ولا تكرهون من أوصافنا إلا إيماننا بالله الخ. قوله : (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) أي من سائر الكتب السماوية.
قوله : (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ) قرأ الجمهور بفتح الهمزة ، وقرىء شذوذا بكسرها على الاستئناف. قوله : (عطف على أن آمنا) أي فهو في محل نصب على حذف مضاف تقديره واعتقادنا أن أكثركم فاسقون ، وإنما قدرنا المضاف لصحة العطف ، فإن المعطوف على الصفة صفة ، وكون أكثرهم فاسقين وصف لهم لا لنا ، فقدر المضاف لذلك ، ويصح أنه منصوب على المعية ، والمعنى إلا إيماننا مع كون أكثركم فاسقين ، مع تقدير المضاف ، أي مع اعتقادنا أن أكثركم فاسقون ، ويحتمل أنّ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره وفسق أكثركم ثابت عندنا ، ويحتمل أنه في محل جر معطوف على لفظ الجلالة مسلّط عليه آمنا ، التقدير وما تكرهون منا إلا إيماننا بالله ، وإيماننا بأن أكثركم فاسقون. قوله : (المعنى ما تنكرون الخ) إنما أتى بذلك جوابا عن سؤال مقدر ، تقديره إن. قوله : (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) وصف لهم ، وأما الإيمان فهو وصف لنا ، فيشكل عطف ما ليس وصفا لنا على ما هو وصف لنا ، فلذلك حول المفسر العبارة. قوله : (ومخالفتكم) من إضافة المصدر لمفعوله ، والفاعل محذوف تقديره مخالفتنا إياكم. قوله : (المعبر عنه بالفسق) أي فأطلق اللازم وهو الفسق ، وأراد الملزوم وهو عدم قبول الإيمان ، ثم أطلق وأريد لازمه ، وهو مخالفتنا لهم في اتصافنا بقبول الإيمان وهم بعدمه ، وقوله : (في عدم قبوله) أي الإيمان. قوله : (وليس هذا مما ينكر) تتميم للكلام ، إشارة إلى أن الاستفهام إنكاري.
قوله : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ) هذا الكلام من باب المقابلة ، لأنه في مقابلة اليهود لا نعلم دينا شرا من دينكم. قوله : (الذي تنقمونه) أي وهو ديننا. قوله : (مَثُوبَةً) تمييز لشر. قوله : (بمعنى جزاء) أي بالعقاب ، وكان على المفسر أن يزيده ، فتسمية الجزاء بالعقاب ثوابا تهكم بهم على حد (فبشرهم بعذاب أليم). قوله : (هو) (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) أشار بذلك إلى أن قوله من لعنه خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله هو ، وهو جواب عن سؤال مقدر تقديره ومن الأشر.