(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف اعتقاد كعبد الله بن أبي المنافق (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) في موالاتهم (يَقُولُونَ) معتذرين عنها (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) يدور بها الدهر علينا من جدب أو غلبة ولا يتم أمر محمد فلا يميرونا قال تعالى (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) بالنصر لنبيه بإظهار دينه (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) بهتك ستر المنافقين وافتضاحهم (فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ) من الشك وموالاة الكفار (نادِمِينَ) (٥٢) (وَيَقُولُ) بالرفع استئنافا بواو ودونها وبالنصب عطفا على يأتي (الَّذِينَ آمَنُوا) لبعضهم إذا هتك سترهم تعجبا (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) غاية اجتهادهم فيها (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) في الدين قال تعالى (حَبِطَتْ) بطلت (أَعْمالُهُمْ) الصالحة
____________________________________
قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) علة لكون من يواليهم منهم. قوله : (كعبد الله بن أبي) أي وأصحابه. قوله : (معتذرين عنها) أي الموالاة. قوله : (دائِرَةٌ) أي أمر مكروه ، فالدوائر هي حوادث الدهر وشروره ، والدولة هي العز والنصر ، فالمؤمن لا ينتظر إلا الدولة لا الدائرة. قوله : (أو غلبة) أي للكفار على المسلمين. قوله : (فلا يميرونا) أي يعطونا الميرة وهي الطعام. قوله : (قال تعالى) أي ردا لقول المنافقين : (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) وبشارة للمؤمنين لاعتقادهم أن الله ناصرهم ، ففي الحديث : «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء».
قوله : (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) أو مانعة خلو تجوز الجمع ، وقد حصل الأمران معا ، فقد روي أن رسول الله أمر وهو على المنبر بإخراجهم من المسجد واحدا واحدا ، ونزلت سورة براءة بفضيحتهم وذمهم ظاهرا وباطنا ، ولذا تسمى الفاضحة وعسى وإن كانت للترجي إلا أنها في كلام الله للتحقيق ، لأن كلامه موافق لعلمه وهو لا يتخلف.
قوله : (فَيُصْبِحُوا) عطف على يأتي ، وفاء السببية مغنية عن الربط. قوله : (نادِمِينَ) أي على تخلف مرادهم وحسرتهم ، من أجل نصر محمد وأصحابه ، وخذلان الكفار ، وليس المراد نادمين على ما تقدم منهم من الذنوب ، تائبين من ذلك ، وإلا فيكون حينئذ ندما محمودا لغلبة رحمة الله على غضبه. قوله : (بالرفع استئنافا) أي نحويا أو بيانيا واقعا في جواب سؤال مقدر تقديره ماذا يقول المؤمنون حينئذ بناء على جواز اقتران البياني بالواو ، وأما على قراءة عدم الواو فيكون بيانيا لا غير قوله : (عطفا على يأتي) أي مسلط عليه عسى ، والمعنى فعسى الله أن يأتي بالفتح ويقول : (الَّذِينَ آمَنُوا) تعجبا من كذب المنافقين ، هكذا ذكر المفسر ، والمناسب أن يقول عطفا على فيصبحوا ، لأنه نتيجة ما قبله ، لأن تعجب المؤمنين ناشىء عن الفتح لهم والفضيحة للمنافقين.
قوله : (أَهؤُلاءِ) الهمزة للاستفهام التعجبي ، والهاء للتنبيه ، وأولاء اسم إشارة مبتدأ ، و (الَّذِينَ) خبره ، و (أَقْسَمُوا) صلته ، وقوله : (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) جملة تفسيرية لمعنى أقسموا ، لأن يمينهم إنا معكم. قوله : (غاية اجتهادهم) أشار بذلك إلى أن جهد صفة لمصدر محذوف مفعول مطلق لأقسموا ، والتقدير إقساما. (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي أغلظها. قوله : (تعالى) أشار بذلك إلى أن قوله : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) من كلامه تعالى إخبار عن المنافقين ، لا من كلام المؤمنين ، لأنهم لا علم لهم بذلك. قوله : (الصالحة) أي بحسب الظاهر.