بما ذكر (تَشابَهَ عَلَيْنا) لكثرته فلم نهتد إلى المقصودة (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (٧٠) إليها في الحديث لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) غير مذللة بالعمل (تُثِيرُ الْأَرْضَ) تقلبها للزراعة والجملة صفة ذلول داخلة في النفي (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) الأرض المهيأة للزراعة (مُسَلَّمَةٌ) من العيوب وآثار العمل (لا شِيَةَ) لون (فِيها) غير لونها (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) نطقت بالبيان التام فطلبوها فوجدوها عند الفتى البار بأمه فاشتروها بملء مسكها ذهبا (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (٧١) لغلاء ثمنها ، وفي الحديث «لو ذبحوا أي بقرة
____________________________________
لجمال خلقتها وحيث شددوا شدد عليهم ، إذ لو أتوا أولا بأي بقرة لكفت ، ثم لو أتوا بما في السؤال الثاني. لكفت ، ثم ما في الثالث لكفت ، ولكن شددوا فشدد عليهم. قوله : (أسائمة) أي متروكة في الجبال ترعى من كلئها. قوله : (أم عاملة) أي يعلفها ربها ويشغلها.
قوله : (إِنَّ الْبَقَرَ) تعليل للإسئلة الثلاثة. قوله : (لو لم يستثنوا) أي بالمشيئة. قوله : (آخر الأبد) أي إلى انقضاء الدنيا. قوله : (لا ذَلُولٌ) من الذلة وهي السهولة بل فيها الصعوبة. قوله : (داخلة في النفي) أي فالمعنى ليست مذللة لعمل ولا مثيرة للأرض. قوله : (الأرض المهيأة إلخ) المناسب أن يقول الحرث أي الزرع لأن الحرث يطلق على الزرع. قوله : (الْآنَ) ظرف زمان للوقت الحاضر. قوله : (جِئْتَ بِالْحَقِ) أي بصفات البقر التي لا تخفى ولا تلتبس ، فلا تنافي بين الآية وقول المفسر فطلبوها. قوله : (نطقت بالبيان التام) جواب عن سؤال ورد على الآية ، وهو أن ظاهر مفهوم الآية يقتضي أنهم كفار ، فأجاب المفسر بأن فيه حذف النعت مع بقاء المنعوت وهو جائز لقول ابن مالك :
وما من المنعوت والنعت عقل |
|
يجوز حذفه وفي النعت يقل |
قوله : (فطلبوها) أي بحثوا عنها. قوله : (عند الفتى البار بأمه) وحاصل ذلك أن أبا الفتى المذكور كان رجلا صالحا من بني إسرائيل قد حضرته الوفاة ، وكان عنده بقرة قد ولدت انثى ، فأخذ تلك الأنثى ووضعها في غيضة واوصى أم الغلام أن تعطيه تلك البقرة حين يكبر ومات ، ثم إن الولد صار يحتطب ويبيع الحطب ويقسم اثلاثا : يصرف ثلثه على نفسه والثلث الآخر على أمه والثلث الآخر يتصدق به ، ويقسم ليله أثلاثا : ينام ثلثه ويخدم أمه ثلثه ويقوم لطاعة الله ثلثه ، فما كبر الغلام قالت له أمه اذهب إلى الغيضة الفلانية فإن فيها بقرة تركها لك أبوك ، واوصاني إذا كبرت أن اعطيها لك ، واقسم عليها بابراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب فإنها تأتي لك طائعة ، ففعل كما أمرته فجاءت له طائعة وقالت له اركب على ظهري ، فقال لها إن أمي لم تأمرني بالركوب ، فقالت له لو ركبت على ظهري ما قدرتني إلى الأبد ، فأخذها وذهب إلى أمه فقالت له اذهب إلى السوق فبعها بثلاثة دنانير على مشورة ، فذهب فأتاه ملك على صورة رجل وقال له بكم تبيعها فقال بثلاثة دنانير على مشورة أمي ، فقال له بعها بستة دنانير من غير مشورة فقال لا ثم ذهب إلى أمه واخبرها بذلك فقالت له بعها بستة على مشورتي ، فذهب فأتاه ثانيا واعطاه فيها اثني عشر على غير مشورة فأبى ، فذهب إلى أمه واخبرها فقالت له إن هذا ملك من عند الله فاذهب إليه واقرئه السّلام وقل له أنبيع البقرة أم لا ، فذهب إليه وأخبره بذلك فقال له إن بني إسرائيل يقتل لهم قتيل ويتوقف بيان قاتله على تلك البقرة فلا تبعها إلا بملء مسكها ذهبا ففعل ما أمر به ، والفتى هو الشاب السخي ولا شك أنه كان كذلك. قوله : (مسكها) بفتح الميم الجلد.
قوله : (فَذَبَحُوها) مرتب على محذوف قدره المفسر بقوله فطلبوها إلخ. قوله : (وَما كادُوا