بالجنة (وَمُنْذِرِينَ) من كفر بالنار (فَمَنْ آمَنَ) بهم (وَأَصْلَحَ) عمله (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٤٨) في الآخرة (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٤٩) يخرجون عن الطاعة (قُلْ) لهم (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) التي منها يرزق (وَلا) أني (أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ما غاب عني ولم يوح إلي (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) من الملائكة (إِنْ) ما (أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى) الكافر (وَالْبَصِيرُ) المؤمن لا (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) (٥٠) في ذلك فتؤمنون (وَأَنْذِرْ) خوف (بِهِ) أي القرآن (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ) أي غيره (وَلِيٌ) ينصرهم (وَلا شَفِيعٌ) يشفع لهم وجملة النفي حال من ضمير يحشروا وهي محل الخوف والمراد بهم المؤمنون العاصون (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٥١) الله بإقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ) بعبادتهم (وَجْهَهُ)
____________________________________
(في الآخرة) احتراز لبيان أن عدم الخوف والحزن هو في الآخرة فقط ، وأما الدنيا فهي محل الخوف والحزن لأنها سجن المؤمن. قوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا) مقابل قوله فمن آمن كأنه قال فالذين آمنوا وأصلحوا الخ ، وهذا يؤيد أن من موصولة. قوله : (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) الباء سببية وما مصدرية ، أي بسبب فسقهم ، والفسق الخروج عن الطاعة كلا أو بعضا ، فالكافر فاسق لخروجه عن طاعة الله بالكلية.
قوله : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ) هذا مرتب على قوله (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) كأنه قال ليس على الرسول إلا البشارة والنذارة ، وليس من وظيفته إجابتهم عما سألوه عنه ولا فعل ما طلبوه منه لأنه ليس عنده خزائن الله الخ. قوله : (خَزائِنُ اللهِ) أي لا أدعي أن مقدرات الله من أرزاق وغيرها مفوضة إلي حتى تطلبوا مني قلب الجبال ذهبا وغير ذلك. قوله : (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أي ما غاب عني من أفعال الله حق تسألوني عن وقت الساعة أو وقت نزول العذاب.
قوله : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) أي حتى تكلفوني بصفات الملائكة ، كالصعود للسماء ، وعدم المشي في الأسواق ، وعدم الأكل والشرب. وهذه الآية نزلت حين قالوا له : إن كنت رسولا فاطلب منه أن يوسع علينا ويغني فقرنا ، فأخبر أن ذلك بيد الله لا بيده بقوله : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) ، وقالوا له أيضا : أخبرنا بمصالحنا ومضارنا في المستقبل حتى نتهيأ لذلك ، فنحصل المصالح وندفع المضار ، فقال لهم : ولا أعلم الغيب فأخبركم بما تريدون ، وقالوا له : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويتزوج النساء ، فقال لهم : ولا أقول لكم إني ملك. قوله : (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) الهمزة داخلة على المحذوف ، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير ألا تسمعون الحق فلا تتفكرون. قوله : (فتؤمنون) معطوف على تتفكرون وليس جوابا للنفي وإلا لنصب.
قوله : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ) محط الأمر قوله لعلهم يتقون ، والمعنى أن إنذارك لا ينفع إلا المؤمن العاصي الخائف ، وأما الكافر المعاند فلا ينفع فيه إلا الإنذار ، فلا ينافي أنه مأمور بإنذار كل مخالف أفاد الإنذار أو لا ، وإنما ذلك بيان للذين ينفع فيهم الإنذار. قوله : (والمراد بهم) أي بالذين يخافون.
قوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ) أي لا تبعدهم عن مجلسك ولا عن القرب منك. قوله :