(الْكِتابُ) الذي يقرؤه محمد (لا رَيْبَ) لا شك (فِيهِ) أنه من عند الله وجملة النفي خبر مبتدؤه ذلك والإشارة به للتعظيم (هُدىً) خبر ثان أي هاد (لِلْمُتَّقِينَ) (٢) الصائرين إلى التقوى بامتثال
________________________________
قوله : (ذلِكَ) اسم الإشارة مبتدأ واللام للبعد والكاف حرف خطاب والكتاب نعت لاسم الإشارة أو عطف بيان وجملة لا ريب فيه خبر كما قال المفسر. قوله : (أي هذا) أشار بذلك إلى أن حق الإشارة أن يؤتى بها للقريب وسيأتي الجواب عنه. قوله : (الكتاب) بمعنى المكتوب وهو القرآن ، إن قلت إن القرآن قريب فلا يشار له بإشارة البعيد ، أجاب المفسر بقوله والإشارة به للتعظيم ، أي والقرآن وإن كان قريبا منا إلا أنه مرفوع الرتبة وعظيم القدر من حيث إنه منزه عن كلام الحوادث ، وذلك كمناداة المولى سبحانه وتعالى بيا التي ينادي بها البعيد مع كونه أقرب إلينا من حبل الوريد ، لكونه سبحانه منزها عن صفات الحوادث ، فنزل تنزهه عن الحوادث منزلة بعدنا عنه ، والكتاب في الأصل مصدر يطلق بمعنى الجمع. قوله : (الذي يقرؤه محمد) أي وهو القرآن احترز بذلك عن باقي الكتب السماوية. قوله : (لا شك) هذا أحد معان ثلاثة والثاني النهمة والثالث القلق والإضطراب وكلها منزه عنها القرآن لخروجه عن طاقة البشر ، قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) الآية. إن قلت إن قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) خبر وهو لا يتخلف ، مع أن بعض الكفار ارتاب فيه حيث قالوا : سحر وكهانة وأساطير الأولين إلى غير ذلك ، أجيب بأجوبة أحسنها أن قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لمن أذعن وأقام البرهان وتأمل ، فلا ريب فيه للعارفين المنصفين ، وأما من عاند فلا يعتد به ، (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل) ومنها أن معنى قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا ينبغي أن يرتاب فيه لقيام الأدلة الواضحة على كونه من عند الله. ومنها أن المعنى (لا رَيْبَ فِيهِ) أي للمؤمنين ، وأما الكافرون فلا يعتد بهم ، فالجواب الأول عام ، فمن تأمل لا يحصل له ريب مسلما أو كافرا أو جحده بعد ذلك عنادا ، والجواب الثاني أنه نفي بمعنى النهي ، والثالث خاص بالمسلم. قوله : (أنه من عند الله) بفتح الهمزة بدل من الضمير في قوله : (فِيهِ) ويدل على قوله تعالى في الآية الأخرى (لا رَيْبَ فِيهِ) من (رَبِّ الْعالَمِين). قوله : (والإشارة به للتعظيم) تقدم أن هذا الجواب عن سؤال مقدر ، إن قلت إنه لا يشار إلا المحسوس أو الإشارة لما في المصاحف أو اللوح المحفوظ.
قوله : (هدى) أي رشاد وبيان ، وهو مصدر إما بمعنى اسم الفاعل وهو الذي اقتصر عليه المفسر أي مرشد ومبين ، والإسناد له مجاز عقلي من الإسناد للسبب أو ذو هدى أو بولغ فيه حتى جعل نفس الهدى على حد : زيد عدل. قوله : (للمتقين) إن قلت إن القرآن هدى بمعنى مبين طريق الحق من الباطل للناس مؤمنهم وكافرهم فلم خص المتقين؟ أجيب بأنه خصهم بالذكر لكونهم انتفعوا بثمرته عاجلا وآجلا وهذا إن أريد به البيان حصل وصول للمقصود أم لا ، وأما إن أريد به الوصول للمقصود فالتخصيص ظاهر ، وأصل متقين متقيين استثقلت الكسرة على الياء الأولى فحذفت الياء فالتقى ساكنان حذفت الياء لإلتقاء الساكنين. قوله : (الصائرين إلى التقوى) اشار بذلك إلى أن في الكلام مجاز الأول أي المتقين في علم الله أو من يؤول إلى كونهم متقين ، فهو جواب عن سؤال مقدر حاصله أنهم إذا كانوا متقين فهم مهتدون فلا حاجة له. قوله : (بامتثال الأوامر) يصح أن تكون سببية أو للتصوير. وقوله : (واجتناب النواهي) عطف عليه ، والمعنى أن امتثال الأوامر على حسب الطاقة واجتناب النواهي جميعها سبب للتقوى أو هي مصورة بذلك. قوله : (لاتقائهم) علة لتسميتهم متقين. قوله : (بذلك) أي المذكور وهو امتثال الأوامر واجتناب