من محله (دِيناً قِيَماً) مستقيما (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٦١) (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) عبادتي من حج وغيره (وَمَحْيايَ) حياتي (وَمَماتِي) موتي (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦٢) (لا شَرِيكَ لَهُ) في ذلك (وَبِذلِكَ) أي التوحيد (أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (١٦٣) من هذه الأمة (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) إلها أي لا أطلب غيره (وَهُوَ رَبُ) مالك (كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) ذنبا (إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ) تحمل نفس (وازِرَةٌ) آثمة (وِزْرَ) نفس (أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ
____________________________________
تنزل منه سبحانه وتعالى ، وإلا فالظلم التصرف في ملك الغير ، ولا ملك لأحد منه تبارك وتعالى ، وأما الزيادة في الحسنات فليس بظلم ، بل هو تفضل منه وإحسان ، واعلم : أن الحسنة تتفاوت ، والسيئة كذلك ، فليس من تصدق بدرهم كمن تصدق بدينار وهكذا ، وليس من فعل صغيرة كمن فعل كبيرة وهكذا ، فعشرة أمثال الحسنة من شكلها ، ومثل السيئة من شكلها ، واعلم أيضا : أن هذا الجزاء لمن فعل الحسنة والسيئة ، وأما من هم بحسنة ولم يعملها ، كتبت له حسنة واحدة ، ومن هم بسيئة ولم يعملها ، فإن تركها خوف الله كتبت حسنة ، وإن تركها لا لذلك ، لم تكتب شيئا ، لما في الحديث : «قال الله تعالى : إذا تحدث عبدي بحسنة ولم يعملها ، فأنا أكتبها له حسنة حتى يعملها ، فإن عملها ، فأنا اكتبها له بعشر حسنات ، وإذا تحدث عبدي بسيئة ولم يعملها ، فأنا أغفرها له حتى يعملها ، فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها». قوله : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي) إن حرف توكيد ونصب ، والياء اسمها ، وجملة هداني ربي خبرها ، وهدى فعل ماض ، والياء مفعول أول ، و (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) مفعول ثان ، و (رَبِّي) فاعل ، والمعنى : قل يا محمد لكفار مكة ، إنني أرشدني ربي ووصلني إلى دين مستقيم لا اعوجاج فيه. قوله : (ويبدل من محله) أي محل : إلى صراط مستقيم ، وهو النصب ، لأنه المفعول الثاني. قوله : (قِيَماً) نعت لدينا ، أي لا اعوجاج فيه. قوله : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) بدل (دِيناً) أي دينه وشريعته وما أوحي به إليه. قوله : (حَنِيفاً) حال من إبراهيم ، أي مائلا عن الضلال إلى الاستقامة. قوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) عطف حال على أخرى ، وفيه تعريض بخروج جميع من خالف دين الإسلام عن إبراهيم. قوله : (عبادتي) أشار بذلك إلى أن قوله : (وَنُسُكِي) عطف عام على خاص.
قوله : (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) قرأ نافع بسكون ياء محياي ، وفتح ياء مماتي ، والباقون بالعكس. قوله : (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر إن ، ولكن يقدر بالنسبة للعبادة خالصة ، وبالنسبة للحياة والموت مخلوقة. قوله : (في ذلك) أي الصلاة والنسك والمحيا والممات. قوله : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أي المنقادين لله ، واستشكل بأنه تقدمه الأنبياء وأممهم ، وأجاب المفسر بأن الأولية بالنسبة لأمته. وأجيب أيضا بأن الأولية بالنسبة لعالم الذر فهي حقيقة.
قوله : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ) نزلت لما قال الكفار : يا محمد ارجع إلى ديننا ، وغير منصوب بأبغي ، و (رَبًّا) تمييز ، وقوله : (إلها) تفسير لربا. قوله : (أي لا أطلب) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) الجملة حالية ، والمعنى لا يليق أن أتخذ إلها غير الله ، والحال أنه مالك كل شيء. قوله : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) رد لقولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ،