الكافرين (بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٩) أي المجازاة له (فَإِنْ حَاجُّوكَ) خاصمك الكفار يا محمد في الدين (فَقُلْ) لهم (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) انقدت له أنا (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) وخص الوجه بالذكر لشرفه فغيره أولى (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) اليهود والنصارى (وَالْأُمِّيِّينَ) مشركي العرب (أَأَسْلَمْتُمْ) أي أسلموا (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) من الضلال (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإسلام (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) أي التبليغ للرسالة (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٢٠) فيجازيهم بأعمالهم وهذا قبل الأمر بالقتال (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ) وفي قراءة يقاتلون (النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ) بالعدل (مِنَ النَّاسِ) وهم
____________________________________
كفرهم واختلافهم محض عناد ، قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا). قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ) من اسم شرط جازم ويكفر فعل الشرط ، وقوله : (فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) دليل الجواب والجواب محذوف أي فيعذبه ، وهذا تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كأنه قال له : لا تحزن على كفر من كفر فإن الله معذبه.
قوله : (فَإِنْ حَاجُّوكَ) أي اليهود والنصارى حيث أنكروا عموم رسالتك أو أصلها ، وجملة حاجوك فعل الشرط ، وجوابه فقل وما عطف عليه. قوله : (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) معطوف على ضمير (أَسْلَمْتُ) المتصل ، وقد وجد الفاصل وهو قوله : (وَجْهِيَ لِلَّهِ) إذا علمت ذلك ، فتقدير المفسر أنا ، توضيح وبيان للضمير المتصل لا ليفيد الفاصل فإنه قد حصل بقوله وجهي لله ، قال ابن مالك :
وإن على ضمير رفع متصل |
|
عطف فافصل بالضمير المنفصل |
أو فاصل ما وما هنا من قبيلة ، ومفعول اتبعن محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي ومن اتبعن أسلم وجهه. قوله : (لشرفه) أي لوجود الحواس الخمس فيه. قوله : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي التوراة بالنسبة لليهود ، والإنجيل بالنسبة للنصارى ، وفيه وضع الموصول موضع الضمير لمقابلته بالأميين. قوله : (مشركي العرب) أي ومن عداهم ممن لا كتاب لهم. قوله : (أي أسلموا) أي فهو استفهام تقريعي ، والمقصود الأمر على حد (فهل أنتم منتهون). قوله : (فَقَدِ اهْتَدَوْا) أي انتفعوا وحصل لهم الرضا والقبول وتم لهم السعد والوصول ، وبهذا اندفع ما يقال إن فعل الشرط متحد مع جوابه ، كأنه قال فإن أسلموا فقد أسلموا.
قوله : (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي داموا عليه وهو فعل الشرط ، وقوله : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) دليل الجواب ، والجواب محذوف تقديره فلا تحزن عليهم وأمرهم إلى الله. قوله : (أي التبليغ للرسالة) أي وقد بلغت فلا تأس عليهم. قوله : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي عليم بهم ومطلع عليهم وناظر إليهم فلا يغيب عنه شيء من أفعالهم. قوله : (وهذا قبل الأمر بالقتال) أي هذه الآية نزلت قبل الأمر به ، فإن رسول الله أمر بالأمساك والأعراض عنهم في نحو نيف وسبعين آية ثم أمر بقتالهم. قوله : (بِآياتِ اللهِ) أي القرآن وغيره. قوله : (وفي قراءة يقاتلون) صوابه تأخيرها بعد المعطوف إذ هي التي فيها القراءتان ، وأما هذه فيقتلون بإتفاق السبعة.
قوله : (بِغَيْرِ حَقٍ) إن قلت إن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق. أجيب بأنه في اعتقادهم أيضا