ببعضه بكتمه (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) بذلك وهم اليهود وقيل المشركون في القرآن حيث قال بعضهم شعر وبعضهم سحر وبعضهم كهانة (لَفِي شِقاقٍ) خلاف (بَعِيدٍ) (١٧٦) عن الحق (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) في الصلاة (قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) نزل ردا على اليهود والنصارى حيث زعموا ذلك (وَلكِنَّ الْبِرَّ) أي ذا البر وقرىء بفتح الباء أي البار (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ) أي الكتب (وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى) مع (حُبِّهِ) له (ذَوِي
____________________________________
(فاختلفوا فيه) قدره المفسر لتمام الفائدة وإلا فالسبب ليس نزول الكتاب بالحق فقط. قوله : (وكفروا ببعضه) أي فما وافق هواهم آمنوا به وما خالفه كتموه وقالوا لم ينزله ربنا. قوله : (وهم اليهود) أي فالمراد بالكتاب التوراة والآية من تمام ما قبلها. قوله : (وقيل المشركون) أي فهو كلام مستأنف والكتاب هو القرآن. قوله : (حيث قال بعضهم شعر) هذا هو وجه الإختلاف. قوله : (بَعِيدٍ) (عن الحق) أي فمن آمن بالبعض وكفر بالبعض لم يصادف الحق بل هو بعيد عنه ، ومن قال من المشركين إنه شعر أو سحر أو كهانة أو غير ذلك لم يصادف الحق بل هو بعيد عنه ، وبهذه الآية تم الرد على جميع من كفر كان من اليهود أو المشركين.
قوله : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) هذا ابتداء نصف السورة الثاني وهو متعلق بتبيين غالب أحكام الدين ، وأما النصف الأول فهو متعلق بأصول الدين وقبائح اليهود ، والبر بالنصب والرفع قراءتان سبعيتان ، فمن نصب جعله خبرا لليس مقدما وأن تولوا في تأويل مصدر اسمها مؤخر ، ومن رفع جعله اسمها وأن تولوا خبرها ، والبراسم جامع لكل خير ، كما أن الإثم اسم جامع لكل شر. قوله : (نزل ردا على اليهود والنصارى) أي فقد زعم النصارى أن البر في استقبال جهة طلوع الشمس ، وزعم اليهود أن البر في استقبال بيت المقدس ، فالمراد بالمغرب ما عدا المشرق فيشمل جهة الشمال وقيل بكسر القاف وفتح الباء ظرف مكان معناه جهة ، وقيل نزلت ردا على المسلمين وكانوا في صدر الإسلام أمروا بالإيمان بالله والصلاة فقط لأي جهة كانت ، فالمعنى ليس البر كما تعتقدون أنه مقصور على الإيمان والصلاة فقط بل هو من جميع هذه الخصال والأظهر الأول. قوله : (أي ذا البر) قدر ذا إشارة إلى أن من اتصف بهذه الخصال يسمى بارا لا برا ، وبالجملة يقال فيه ما قيل في زيد عدل وقيل إن برا اسم فاعل أصله برر نقلت كسرة الراء إلى الباء ثم أدغمت إحدى الراءين في الأخرى.
قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أي صدق بقلبه ونطق بلسانه أن الله يجب له كل كمال ويستحيل عليه كل نقص. قوله : (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي ما يتعلق به من الحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار وما فيهما من الثواب والعقاب. قوله : (وَالْمَلائِكَةِ) أي بأنهم عباد مكرمون ، أجسام نوارنية لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون. قوله : (أي الكتب) أي المنزلة من عند الله على أنبيائه. قوله : (وَالنَّبِيِّينَ) أي إجمالا في الإجمالي وتفصيلا في التفصيلي ، فيجب الإيمان بخمسة وعشرين منهم وهم المذكورون في القرآن. قوله : (مع) (حُبِّهِ) (له) أي المال بأن يعطيه مع كونه يحبه لنفسه ، ويحتمل أن المعنى مع حبه لله أي يعطي المال مع كونه يحب الله ، وكل صحيح. قوله : (القرابة) أي فإعطاء الأقارب مقدم لأن فيه قربتين الصدقة وصلة الرحم.