اذكر (إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ) رفعناه من أصله (فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا) أيقنوا (أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) ساقط عليهم بوعد الله إياهم بوقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة وكانوا أبوها لثقلها فقبلوا وقلنا لهم (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) بجد واجتهاد (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) بالعمل به (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٧١) (وَ) اذكر (إِذْ) حين (أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار (ذُرِّيَّتَهُمْ) بأن أخرج بعضهم من صلب آدم نسلا بعد نسل كنحو ما يتوالدون كالذر بنعمان يوم
____________________________________
مقام الضمير على حد قول الشاعر : سعاد التي أضناك حب سعادا ، ونكتة ذلك الإشارة إلى شرفهم والاعتناء بهم.
قوله : (وَإِذْ نَتَقْنَا) إذ ظرف معمول لمحذوف ، قدره المفسر بقوله اذكر ، والمقصود من ذلك الرد على اليهود والتقبيح عليهم ، حيث قالوا : إن بني إسرائيل لم تصدر عنهم مخالفة الله. قوله : (الْجَبَلَ) قيل هو الطور ، وقيل هو جبل من جبال فلسطين ، وقيل من جبال بيت المقدس ، وفي آية النساء التصريح بالطور ، وسبب رفع الجبل فوقهم ، أن موسى لما جاءهم بالتوراة وقرأها عليهم ، فلما سمعوا ما فيها من التغليظ ، أبوا أن يقبلوا ذلك ، فأمر الله الجبل فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم مقدار عسكرهم ، وكان فرسخا في فرسخ وكان ارتفاعه على قدر قامتهم محاذيا لرؤوسهم كالسقيفة ، فلما نظروا إلى الجبل فوق رؤوسهم خروا سجدا ، فسجد كل واحد على خده وحاجبه الأيسر وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوف أن يسقط عليه ، ولذلك لا تسجد اليهود إلا على شق وجوههم الأيسر.
قوله : (فَوْقَهُمْ) الاحتجاج بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس ، إما حال منتظرة أو ظرف لنتقنا. قوله : (كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) حال من الجبل. قوله : (وَظَنُّوا) الجملة حالية من الجبل ، والتقدير ورفعناه فوقهم ، والحال أنه مظنون وقوعه عليهم ، ومعنى الظن اليقين كما قال المفسر. قوله : (وقلنا) قدره إشارة إلى أن قوله : (خُذُوا) معمول لمحذوف ، وهو معطوف على (نَتَقْنَا).
قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي تتصفون بالتقوى ، وهي امتثال المأمورات ، واجتناب المنهيات ، أو تجعلون بينكم وبين النار وقاية تحفظكم منها.
قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) عطف على قوله : (وَإِذْ نَتَقْنَا) عطف قصة على قصة ، وقدر المفسر اذكر إشارة إلى أن إذ ظرف معمول لمحذوف ، والحكمة في تخصيص بني إسرائيل بهذه القصة ، الزيادة في إقامة الحجة عليهم ، حيث أعلمهم الله بأن أعلم نبيه بمبدأ العالم ، فضلا عن وقائعهم. قوله : (بدل اشتمال) أي من قوله : (بَنِي آدَمَ) والأوضح أنه بدل بعض من كل ، لأن الظهور بعض بني آدم كضربت زيدا يده. قوله : (بأن أخرج بعضهم من صلب بعض) أي فأخرج أولاد آدم لصلبه من ظهره ، ثم أخرج من ظهر أولاده لصلبه أولادهم ، وهكذا على حسب الظهور الجسماني إلى يوم القيامة ، وميز المسلم من الكافر ، بأن جعل ذر المسلم أبيض ، وذر الكافر أسود. روي أنهم لما اجتمعوا قال لهم : اعلموا أنه لا إله غيري ، وأنا ربكم لا رب لكم غيري ، فلا تشركوا بي شيئا ، فإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن ، وإني مرسل إليكم