بطلان قولكم (ها أَنْتُمْ) للتنبيه مبتدأ يا (هؤُلاءِ) والخبر (حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) من أمر موسى وعيسى وزعمكم أنكم على دينهما (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) من شأن إبراهيم (وَاللهُ يَعْلَمُ) شأنه (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ه (٦٦) ، قال تعالى تبرئة لإبراهيم (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً) مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم (مُسْلِماً) موحدا (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٦٧) (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ) أحقهم (بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في زمانه (وَهذَا النَّبِيُ) محمد لموافقته له في أكثر شرعه (وَالَّذِينَ آمَنُوا) من أمته فهم الذين ينبغي أن يقولوا نحن على دينه لا أنتم (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٨) ناصرهم وحافظهم. ونزل لما دعا اليهود معاذا وحذيفة وعمارا إلى دينهم (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأن إثم إضلالهم عليهم والمؤمنون لا يطيعونهم فيه (وَما يَشْعُرُونَ) (٦٩) بذلك
____________________________________
اللتان ابتدعوهما حيث غيروا التوراة وسموها اليهودية ، وغيروا الإنجيل وسموه النصرانية. قوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أغفلتم عما زعمتم فلا تعقلون ما تقولونه.
قوله : (ها أَنْتُمْ) يقرأ إما بألف وبعدها همزة إما محققة أو مسهلة أو بدون ألف ، والهمزة إما محققة أو مسهلة أو بألف فقط بدون همزة أصلا ، فالقراءات خمس وكلها سبعية. قوله : (من أمر موسى وعيسى) أي الذي نطقت به التوراة والإنجيل من أنهما عبدان ورسولان لله ، يأمران بعبادة الله وحده ولا يشركان به غيره. وقوله : (من شأن إبراهيم) أي لكونه لم يذكر في كتبكم ما كان إبراهيم عليه ، فكيف تدعون أنكم على دينه مع جهلكم به. قوله : (إلى الدين القيم) أي المستقيم الذي لا اعوجاج فيه. قوله : (موحدا) أي منقادا ممتثلا أوامر ربه مجتنبا نواهيه. قوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي معه غيره. قوله : (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) زيدت اللام للتقوية وهي لام الابتداء زحلقت للخبر ، كما قال في الخلاصة :
وبعد ذات الكسر تصحب الخبر |
|
لام ابتداء نحو إني لوزر |
قوله : (في زمانه) أي وهم أولاده كإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأولادهم إلى يوم القيامة ، قال : تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) الآية. قوله : (لموافقته له في أكثر شرعه) أي فعقائد محمد التي هو عليها لا تخالف ما قصه الله في كتابه عن إبراهيم. إذا علمت ذلك ، فالمناسب للمفسر أن يقول لموافقته له في الأصول ، أو يقال إن الموافقة في الفروع من حيث السهولة ، فإن شريعة محمد سهلة نهلة كشريعة إبراهيم ، لا كشريعة موسى فإنها صعبة التكاليف بسبب عناد بني إسرائيل ، وهذا هو محمل المفسر. قوله : (من أمته) أي أمة محمد صلىاللهعليهوسلم. قوله : (ناصرهم) أي على أعدائهم ، وقوله : (وحافظهم) أي واقيهم من أعدائهم.
قوله : (وَدَّتْ) أي أحبت ولو مصدرية ، والمعنى أحبت جماعة من اليهود والنصارى إضلالكم أي رجوعكم عن الإسلام إلى الكفر ، وكانوا يتوددون إليهم بالهدايا. قوله : (لأن اثم اضلالهم عليهم) أي لأن الدال على الشر كفاعله ، ويؤخذ من ذلك أن المقوي لشوكة الكفر بالشبه الباطلة والحجج العاطلة عليه إثم كفره وإثم كفر من تبعه إلى يوم القيامة. قوله : (بذلك) أي يكون إثم الضلال لاحقا بهم لقساوة