بسبب قولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل ثم تزول عنهم (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ) متعلق بقوله (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٤) من قولهم ذلك (فَكَيْفَ) حالهم (إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ) أي في يوم (لا رَيْبَ) شك (فِيهِ) هو يوم القيامة (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) من أهل الكتاب وغيرهم جزاء (ما كَسَبَتْ) عملت من خير وشر (وَهُمْ) أي الناس (لا يُظْلَمُونَ) (٢٥) بنقص حسنة أو زيادة سيئة ، ونزل لما وعد صلىاللهعليهوسلم أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون هيهات (قُلِ اللهُمَ) يا الله (مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي) تعطي (الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) من خلقك
____________________________________
قوله : (بِأَنَّهُمْ قالُوا) أي بسبب قولهم ذلك فهونوا على أنفسهم جميع المويقات من قتل الأنبياء وعصيانهم وغير ذلك. قوله : (من قولهم ذلك) أي وهو لن تمسنا النار إلا أياما معدودات. قوله : (فَكَيْفَ) (حالهم) رد لقولهم المذكور وإبطال لما غرهم باستعظام ما سيقع لهم من الأهوال ، ويجوز أن يكون كيف خبرا مقدما والمبتدأ محذوف ، قدره المفسر بقوله : (حالهم). وقوله : (إِذا جَمَعْناهُمْ) ظرف غير مضمن معنى الشرط منصوب على الظرفية والعامل فيه متعلق الخبر. قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) أي في مجيئه ووقوع ما فيه.
قوله : (وَهُمْ) (أي الناس) فيه إشارة إلى أنه ذكر ضميرهم ، وجمعه بإعتبار معنى كل نفس. قوله : (ونزل لما وعد) وذلك أنه حين تحزبت عليه الأحزاب سنة خمس من الهجرة حتى تجمع عليه عشر آلاف مقاتل ، وكان المسلمون إذ ذاك نحو الألفين معه بالمدينة ، فأشاروا عليه بحفر الخندق فجعل على كل عشرة أربعين ذراعا ، فبينما هم في ذلك ، إذ ظهرت لهم صخرة عظيمة لا تعمل فيها المعاول ، فكرب من كانت في قسمته ، فاستجاروا برسول الله ، فأخذ صلىاللهعليهوسلم المعول من سلمان الفارسي وضرب الصخرة أول مرة فخرج منها نور فملأ ما بين لابتي المدينة ، فقال أضاء منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب ، والحيرة بكسر الحاء المهملة وسكون الياء مدينة بقرب الكوفة ، وتمثيله القصور بأنياب الكلاب لشبهها لها في البياض وانضمام بعضها لبعض مع الإشارة إلى تحقيرها ، ثم ضرب الثانية وقال : أضاء لي منها قصور الروم ، ثم ضرب الثالثة وقال : أضاء لي منها قصور صنعاء اليمن ، وأخبرني جبريل أن أمتي طاهرة على كلها فابشروا ، فقال المنافقون ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم بالباطل ويخبركم أنه يبصر ما ذكر ، وأنها تفتح لكم ، وأنتم إنما تحفرون الخندق من شدة الخوف ولا تستطيعون البروز ، فنزلت الآية ، وكسر الصخرة في الثلاث ضربات من عزمه وقوته البشرية ، وإلا لو كان معجزة لأشار لها فقط ، وروي في فضل تلك الآية أحاديث لا تحصى ، منها ما روي أن الله لما أمر فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله وقل اللهم مالك الملك بالنزول إلى الأرض ، قالوا يا ربنا لا تهبطنا دار الذنوب وإلى من يعصيك ، فقال تعالى وعزتي وجلالي ما يقرؤكن عبد عقب كل صلاة إلا أسكنته حظيرة القدس على ما كان منه ، وإلا نظرت له بعيني المكنونة في اليوم والليلة سبعين مرة ، وإلا قضيت له في اليوم والليلة سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلا أعذته من عدوه بنصرته عليه ولا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت. قوله : (يا الله) أشار بذلك إلى أن الميم معوضة عن ياء النداء ، فهو مبني على الضم في محل نصب. والميم عوض عن ياء النداء ، وذلك من جملة ما خص به لفظ الجلالة ومن جملتها اجتماع يا وأل.
قوله : (مالِكَ الْمُلْكِ) يصح أن يكون بدلا أو عطف بيان أو نعتا لمحل اللهم أو منادى حذفت منه