تنبيها على أنها تلده بلا أب إذ عادة الرجال نسبتهم إلى آبائهم (وَجِيهاً) ذا جاه (فِي الدُّنْيا) بالنبوة (وَالْآخِرَةِ) بالشفاعة والدرجات العلا (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٥) عند الله (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) أي طفلا قبل وقت الكلام (وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٤٦) (قالَتْ رَبِّ أَنَّى) كيف (يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) بتزوج ولا غيره (قالَ) الأمر (كَذلِكِ) من خلق ولد منك بلا أب (اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً) أراد خلقه (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٧) أي فهو يكون (وَيُعَلِّمُهُ) بالنون والياء (الْكِتابَ) الخط (وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (٤٨) (وَ) نجعله (رَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) في الصبا أو بعد البلوغ فنفخ جبريل في جيب درعها فحملت وكان من
____________________________________
قوله : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) ظاهره أن هذه الأشياء كلها جعلت اسما واحدا له ، مع أن المسيح لقبه وابن مريم كنيته ، وإنما الاسم عيسى فقط ، ويجاب بأنه لما كان لا يتميز إلا بهذه الأشياء كلها جعلت اسما واحدا ، والمسيح فعيل إما بمعنى فاعل لأنه ما مسح على ذي عاهة إلا برىء ، أو لأنه كان يمسح الأرض في الزمن القليل لهداية الخلق ، أو مفعول لأنه ممسوح بالبركة أو ممسوح القدم بمعنى أنها لا أخمص لها ، وأما الدجال فيلقب بالمسيح إما لأنه يمسح الأرض في الزمن القليل لإضلال الناس ، أو لأنه ممسوح العين ، فهو من تسمية الأضداد ومن الأسماء المشتركة ، وعيسى من العيس وهو البياض المشرب بحمرة لأن لونه كان كذلك ، قوله : (إذ عادة الرجال) أي والنساء.
قوله : (وَجِيهاً) حال من المسيح. قوله : (ذا جاه) أي عز وسؤدد. قوله : (بالنبوة) أي والمعجزات الباهرة والحكمة التي لا تضاهى. قوله : (والدرجات العلا) أي من حيث إنه من أولي العزم. قوله : (عند الله) عندية مكانة لا مكان أي قرب ومنزلة. قوله : (فِي الْمَهْدِ) أي زمنه والمهد فراش الصبي زمن طفوليته ، وورد أنه كان تكلم حين ولادته كما قص الله في سورة مريم. قوله : (قبل وقت الكلام) أي وانقطع إلى وقته المعتاد ، وكان يحدث أمه وهو في بطنها ، فإذا اشتغلت أمه بكلام إنسان اشتغل هو بالتسبيح. قوله : (وَكَهْلاً) أي بين الثلاثين والاربعين ، والمقصود بشارة أمه بطول عمره لا كون كلامه حينئذ خرق عادة. قوله : (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) أي الكاملين في الصلاح وهم سادات الرسل ، فأل في الصالحين للكمال. قوله : (بتزوج ولا غيره) أي كالزنا وقد صرح به في سورة مريم بقوله : (ولم أك بغيا) وهذا استفهام عن الحالة التي يأتي عليها ذلك الولد ، وإنما استفهمت عن ذلك لأنها جازمة أنها منذورة لخدمة بيت المقدس وإنها مقبولة ، وكانت عاداتهم إن المنذور لا يتزوج ، فهذا هو حكمة استعظامها ذلك.
قوله : (كَذلِكِ) خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله : الأمر والكاف يحتمل زيادتها والأصل الأمر ذلك ويحتمل اصالتها ، وقد تقدم ذلك. قوله : (إِذا قَضى أَمْراً) القضاء هو تعلق ارادة الله بالأشياء أزلا. قوله : (اراد خلقه) أي تعلقت ارادته بخلقه تعلقا تنجيزيا قديما. قوله : (أي فهو يكون) اشار بذلك إلى أن جملة خبر لمحذوف. قوله : (بالنون والياء) أي قراءتان سبعيتان ، فعلى الياء الأمر ظاهر وعلى النون فهو التفات من الغيبة للخطاب. قوله : (الخط) ورد أنه كان حسن الخط جدا ، وكان يعلمه للصغار في المكتب. قوله : (وَالْحِكْمَةَ) أي النبوة. قوله : (وَالتَّوْراةَ) إن قلت إنها كتاب موسى. أجيب بأنه كان يحفظها ويتعبد بها إلا ما نسخ منها في الإنجيل. قوله : (وَرَسُولاً) معمول بمحذوف قدره المفسر بقوله :