(وَلا تَهِنُوا) تضعفوا عن قتال الكفار (وَلا تَحْزَنُوا) على ما أصابكم بأحد (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) بالغلبة عليهم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٣٩) حقا وجوابه دل عليه مجموع ما قبله (إِنْ يَمْسَسْكُمْ) يصبكم بأحد (قَرْحٌ) بفتح القاف وضمها جهد من جرح ونحوه (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ) الكفار (قَرْحٌ مِثْلُهُ) ببدر (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها) نصرفها (بَيْنَ النَّاسِ) يوما لفرقة ويوما لأخرى ليتعظوا (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) علم ظهور (الَّذِينَ آمَنُوا) أخلصوا في إيمانهم من غيرهم (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) يكرمهم بالشهادة (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (١٤٠) الكافرين أي يعاقبهم وما ينعم به
____________________________________
مسلمين أو كفارا ، وإنما كان بيانا للجميع لإقامة الحجة على الكافر يوم القيامة وتعذيبه.
قوله : (وَهُدىً) (من الضلالة) أي هاد من الكفر أو المعصية. قوله : (لِلْمُتَّقِينَ) راجع لقوله : (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ) وخصهم لأنهم هم المنتفعون بذلك. قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ). قوله : (وَلا تَهِنُوا) هذا من جملة التسلية للنبي وأصحابه ، وأصله توهنوا حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها. وسبب ذلك أنه لما حصلت التفرقة لأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يوم أحد وقتل منهم سبعون وجرح منهم ناس كثيرون ، وقتل من الكفار نيف وعشرون وجرح منهم ناس كثيرون ، قال أبو سفيان رئيس الكفار مناديا للنبي وأصحابه أفي القوم محمد ثلاث مرات فنهى القوم أن يجيبوه ، فقال أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات ثم قال أفي القوم عمر بن الخطاب ثلاث مرات ، ثم رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا ، فما ملك عمر نفسه فقال كذبت والله يا عدو الله ، إن الذين عددت أحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك ، ثم أخذ أبو سفيان يرتجز بقوله : أعل هبل أعل هبل. فقال عليه الصلاة والسّلام ألا تجيبوه قولوا : الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان : إن لنا عزى ولا عزى لكم. فقال عليه الصلاة والسّلام قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم. وفي رواية قال أبو سفيان : يوم بيوم وإن الأيام دول والحرب سجال ، فقال عمر : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، ثم أمر النبي أصحابه جميعا بالإقبال على قتال الكفار ثانيا فصار الجريح منهم يزحف على الركب ، ووقع الحرب بينهم وباتت الهزيمة على الكفار ، فنزلت الآية تسلية للنبي وأصحابه.
وقوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أصله الأعلوون استثقلت للضمة على الواو فحذفت ثم تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت الفا فالتقى ساكنان حذفت الألف لإلتقائهما وبقيت الفتحة لتدل عليها. قوله : (مجموع ما قبله) أي وهو قوله ولا تهنوا ولا تحزنوا. قوله : (بفتح القاف وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وجواب الشرط محذوف تقديره فلا تحزنوا ، وقوله : (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ) إلخ مفرع عليه. قوله : (ببدر) أي فكانت الغلبة فيه للمؤمنين من أوله إلى آخره ، وقال بعضهم بل في أحد أيضا ، لأن الغلبة آخرا كانت للمؤمنين ، وأما غزوة بدر فكانت للمؤمنين خاصة. قوله : (نُداوِلُها) المداولة نقل الشيء من واحد لآخر ، والمعنى إنما جعلنا الأيام دولا بين الناس يوما للكفار ويوما للمسلمين لتتعظوا وليعلم الله إلخ. قوله : (علم ظهور) جواب عن سؤال مقدر حاصله أن علم الله قديم لا يتجدد فكيف ذلك؟ فأجاب : بأن المراد ليظهر متعلق علمه بتمييز المؤمن من غيره ، والمعنى أن نصرة الكافر تارة ليست لمحبة الله له ، بل ليتميز المؤمن من المنافق وليتخذ منكم شهداء ، وإلا فالله لا يحب الكافرين. قوله : (أي يعاقبهم) تفسير لعدم محبة الله للظالمين. قوله : (وما ينعم به عليهم استدراج) جواب عن سؤال مقدر تقديره إنا نرى الله ينصرهم تارة وينعم عليهم بالدنيا وزينتها ،