(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ) حصون (مُشَيَّدَةٍ) مرتفعة فلا تخشوا القتال خوف الموت (وَإِنْ تُصِبْهُمْ) أي اليهود (حَسَنَةٌ) خصب وسعة (يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) جدب وبلاء كما حصل لهم عند قدوم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة (يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) يا محمد أي بشؤمك (قُلْ) لهم (كُلٌ) من الحسنة والسيئة (مِنْ عِنْدِ اللهِ) من قبله (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ) أي لا يقاربون أن يفهموا (حَدِيثاً) (٧٨) يلقى إليهم وما استفهام تعجيب من فرط جهلهم ونفي مقاربة الفعل أشد من نفيه (ما أَصابَكَ) أيها الإنسان (مِنْ حَسَنَةٍ) خير (فَمِنَ اللهِ) أتتك فضلا منه (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) بلية (فَمِنْ نَفْسِكَ) أتتك حيث ارتكبت ما يستوجبها من الذنوب (وَأَرْسَلْناكَ) يا محمد (لِلنَّاسِ رَسُولاً) حال مؤكدة (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٧٩) على رسالتك (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى) أعرض عن
____________________________________
غير مناسب ، والمناسب تفسيره بالخيط الذي يكون في باطن نواة.
قوله : (أَيْنَما تَكُونُوا) هذا تسلية لهم أيضا وأين اسم شرط جازم ، وما صلة ، وتكونوا فعل الشرط مجزوم بحذف النون والواو اسمها و (يُدْرِكْكُمُ) جواب الشرط ، و (الْمَوْتُ) فاعله ، والمعنى أن الموت يدرككم أينما تكونوا في أي زمان أو مكان متى حضر الأجل. قوله : (فِي بُرُوجٍ) جمع برج وهو القلعة والحصن. قوله : (مرتفعة) أي عالية البناء ، أو المعنى مطلية بالشيد أي الجص قوله : (أي اليهود) أي والمنافقين. قوله : (عند قدوم النبي المدينة) أي حيث دعاهم إلى الإيمان فكفروا فحصل لهم الجدب ، فقالوا هذا شؤمه ، والشؤم ضد اليمن والبركة. قوله : (مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي خلقا وإيجادا.
قوله : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ) الخ ، أي أي شيء ثبت لهؤلاء لا يقربون من فهم الحديث والموعظة. قوله : (وما استفهام تعجيب) أي وتوبيخ. قوله : (أيها الإنسان) أي فهو خطاب عام لكل أحد وقيل الخطاب للنبي والمراد به غيره. قوله : (فَمِنْ نَفْسِكَ) أي من شؤمك وسوء كسبك فنسبة ذلك إلى النفس مجاز ، باعتبار سوء الكسب والشؤم من إسناد الشيء لسببه ، وبهذا اندفع التنافي بين هذه الآية وبين قوله تعالى (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فنسبة الأشياء جميعها إلى الله من حيث الإيجاد ، ونسبة الشر إلى العبد ، فباعتبار أن سوء كسبه سبب ذلك ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : «ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب ، ولا الشوكة يشاكها ، وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر» وأما حديث «أشدكم بلاء الأنبياء الخ» فمعناه أن الله امتحنهم بالبلايا ، وألقى عليهم الصبر والمحبة ، فشاهدوا إعطاء الله في تلك البلايا ، فصارت البلايا عطايا ، فتحصل أن البلاء إما أن يكون من شؤم الذنب ، وذلك للعصاة الذين لم يتلقوه بالرضا والتسليم ، وإما أن يكون اختبارا أو امتحانا ، وذلك للأنبياء والصالحين ليرقيهم به أعلى الدرجات ، ولذلك قال العارف الجيلي :
تلذّ لي الآلام مذ أنت مسقمي |
|
وإن تمتحنّي فهي عندي صنائع |
قوله : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) والمعنى حيث ثبتت رسالته بشهادة الله ، اتضح من ذلك أن من