خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) بيان لما فيستدلوا به على قدرة صانعه ووحدانيته (وَ) في (أَنْ) أي أنه (عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ) قرب (أَجَلُهُمْ) فيموتوا كفارا فيصيروا إلى النار فيبادروا إلى الإيمان (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) أي القرآن (يُؤْمِنُونَ) (١٨٥) (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) بالياء والنون مع الرفع استئنافا والجزم عطفا على محل ما بعد الفاء (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٨٦) يترددون تحيرا (يَسْئَلُونَكَ) أي أهل مكة (عَنِ السَّاعَةِ) القيامة (أَيَّانَ) متى (مُرْساها قُلْ) لهم
____________________________________
وَالْأَرْضِ) إنما فسر الملكوت بالملك ، لأن الملكوت ما غاب عنا ، كالملائكة والعرش والكرسي ، والمأمور بالنظر فيه عالم الملك وهو ما ظهر لنا. قوله : (وَما خَلَقَ اللهُ) قدر المفسر في إشارة إلى أنه معطوف على : (مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). قوله : (وَأَنْ عَسى) قدر المفسر في إشارة إلى أن الجملة في محل جر عطفا على ما قبلها ، و (أَنْ) مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، وجملة : (عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) خبرها.
قوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ) الخ متعلق بيؤمنون ، وهو استفهام تعجبي ، والمعنى إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن الذي هو أعظم المعجزات ، فبأي آية ومعجزة يؤمنون بها. قوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ) تذييل لما قبله ، خارج مخرج المثل. قوله : (بالياء والنون) أي مع الرفع ، وبالياء لا غير مع الجزم ، فالقراءات ثلاث وكلها سبعية ، فعلى النون يكون التفاتا من الغيبة للتكلم ، لأن الاسم الظاهر من قبيل الغيبة. قوله : (على محل ما بعد الفاء) أي وهو الجزم ، لأن جملة : (فَلا هادِيَ لَهُ) جواب الشرط في محل جزم.
قوله : (يَسْئَلُونَكَ) الضمير عائد على أهل مكة كما قال المفسر ، لأن السورة مكية إلا ما تقدم من الثمان آيات ، وهذا استئناف مسوق لبيان تعنتهم في كفرهم ، لأنه صلىاللهعليهوسلم كان يخوفهم من الساعة وأهوالها. قوله : (القيامة) سميت ساعة إما لسرعة مجيئها ، قال تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) أو لسرعة حسابها ، لأن الخلق جميعا يحاسبون في قدر نصف يوم من نهار ، أو لأنها ساعة عند الله لخفتها ، وإن كانت في نفسها طويلة ، لأن الأزمان عنده مستوية ، ولها أسماء كثيرة ، منها القيامة القيام الناس لرب العالمين فيها ، والقارعة لأنها تقرع القلوب بأهوالها ، والحاقة لأنها ثابتة ، والخافضة والرافعة لأنها تخفض أقواما وترفع آخرين ، والطامة لأنه لا يمكن ردها ، والصامة لأنها تصم الآذان ، والزلزلة لتزلزل الأرض والقلوب ، ويوم الفرقة لتفرقهم في الجنة والنار ، واليوم الموعود لأن الله وعد فيه أقواما بالجنة ، وأوعد أقواما بالنار ، ويوم العرض لعرض الناس على ربهم ، ويوم المفر لقول الإنسان يومئذ أين المفر ، واليوم العسير لشدة الحساب فيه ، ورحمة الناس بعضهم على بعض ، حتى يكون على القدم ألف قدم ، وفي رواية سبعون ألف قدم على قدم ، وتدنو الشمس من الرؤوس حتى يكون بينها وبين الرؤوس قدر المرود ، إلى غير ذلك من أسمائها.
قوله : (أَيَّانَ مُرْساها) في الكلام استعارة بالكناية ، حيث شبه الساعة بسفينة في البحر ، وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو الإرساء فذكره تخييل ، وهذه الجملة من المبتدأ والخبر ، بدل من الجار والمجرور قبله ، والمعنى يسألونك عن وقت مجيء الساعة وهو في محل نصب ، لأن الجار والمجرور