الكفر (إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ) بطلت (أَعْمالُهُمْ) الصالحة (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فلا اعتداد بها ولا ثواب عليها والتقييد بالموت عليه يفيد أنه لو رجع إلى الإسلام لم يبطل عمله فيثاب عليه ولا يعيده كالحج مثلا وعليه الشافعي (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢١٧) ولما ظن السرية أنهم إن سلموا من الإثم فلا يحصل لهم أجر نزل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا) فارقوا أوطانهم (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) لإعلاء دينه (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) ثوابه (وَاللهُ غَفُورٌ) للمؤمنين (رَحِيمٌ) (٢١٨) بهم (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) القمار ما حكمهما (قُلْ) لهم (فِيهِما) أي في تعاطيهما (إِثْمٌ كَبِيرٌ) عظيم
____________________________________
بيردوكم. قوله : (إِنِ اسْتَطاعُوا) جملة شرطية حذف جوابها لدلالة ما قبلها عليه ومفعولها محذوف أيضا ، أي إن استطاعوا ذلك فلا يزالون يقاتلونكم. قوله : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ) هكذا القراءة هنا بالفك لا غير ، وأما في المائدة ففيها قراءتان بالفك والادغام. قوله : (أَعْمالُهُمْ) (الصالحة) أي وأما السيئة فباقية يعذبون عليها. قوله : (وعليه الشافعي) هذا ضعيف والمعتمد عنده أنه يرجع له عمله مجردا عن الثواب ، وأما عند مالك وأبي حنيفة فهو كالكافر الأصلي إذا أسلم فلا يرجع له شيء من أعماله ، ولا يؤمر بالقضاء ترغيبا له في الإسلام إلا ما أسلم في وقته فيفعله ، وثمرة الخلاف تظهر في صحابي ارتد ثم عاد للإسلام ولم تثبت رؤيته للنبي بعد ذلك ، هل ترجع له الصحبة مجردة عن الثواب ، وعليه الشافعي أولا وعليه مالك وأبو حنيفة ، وأما زوجته ، فتبين منه وترجع له بالإسلام من غير عقد عند الشافعي ، وعند مالك وأبي حنيفة لا ترجع له إلا بالعقد ، وحكم المرتد عند مالك أنه يستتاب ثلاثة أيام ، فان تاب وإلا قتل بعد غروب الثالث. قوله : (ولما ظن السرية الخ) بل ورد أنهم سألوا النبي عن ذلك.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي وهم عبد الله بن جحش ومن معه. قوله : (فارقوا أوطانهم) أشار بذلك إلى معنى الهجرة هنا. قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي ومن رحمته بهم غفران خطيئتهم وقسم الغنيمة عليهم فإنه نزل بعد هذه الآية : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية ، فأخذ رسول الله الخمس لبيت المال وفرق عليهم الأربعة أخماس.
قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) السائل عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وجماعة من الصحابة بقولهم : إن الخمر والميسر يضيعان العقل والمال فأفتنا فيهما ، وحاصل ما وقع في الخمر في زمان رسول الله أنه نزل فيه أربع آيات : الأولى نزلت بمكة تدل على حله وهي قوله تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) ثم سأل عمر ومعاذ وجماعة النبي بالمدينة عن حكمه فنزل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الآية ، فشربها قوم لقوله : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) وامتنع آخرون خوفا من قوله (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ثم إن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما لبعض أصحابه فأكلوا وشربوا الخمر ، فحضرت صلاة المغرب فأمهم واحد منهم فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون بإسقاط لا إلى آخر السورة فنزل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) الآية ، فحرمت في أوقات الصلاة دون غيرها ، ثم إن عتبان بن مالك صنع طعاما لجماعة من الصحابة وفيهم سعد بن أبي وقاص فأكلوا وشربوا الخمر فافتخروا وتناشدوا الشعر ، فأنشد سعد قصيدة يمدح بها قومه ويهجو الانصار فشج رجل منهم