مِنْ قَبْلِهِمْ) رسلهم (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) عذابنا (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) بأن الله راض بذلك (فَتُخْرِجُوهُ لَنا) أي لا علم عندكم (إِنْ) ما (تَتَّبِعُونَ) في ذلك (إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ) ما (أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (١٤٨) تكذبون فيه (قُلْ) إن لم تكن لكم حجة (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) التامة (فَلَوْ شاءَ) هدايتكم (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٤٩) (قُلْ هَلُمَ) أحضروا (شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) الذي حرمتموه (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١٥٠) يشركون (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ) أقرأ (ما حَرَّمَ
____________________________________
تعالى) أي تسلية له عليه الصلاة والسّلام. قوله : (كما كذب هؤلاء) أي مثل ما كذبوك ولم يصدقوك بما جئت به ، كذب الأمم السابقة أنبياءهم. قوله : (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) غاية للتكذيب أي استمروا على التكذيب حتى ذاقوا الخ. قوله : (مِنْ عِلْمٍ) من زائدة ، وعلم مبتدأ مؤخر ، وعند ظرف خبر مقدم ، والمعنى هل عندكم من شيء تحتجون به على ما زعمتم من أن الله راض بأفعالكم فتظهروه لنا؟. قوله : (أي لا علم عندكم) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) جواب شرط مقدر ، قدره المفسر بقوله : (إن لم يكن لكم حجة). قوله : (التامة) أي وهي إرسال الرسل وإنزال الكتب ، ومعنى التامة الكاملة التي لا يعتريها نقص ولا خفاء. قوله : (هدايتكم) قدره إشارة إلى أن مفعول شاء محذوف. قوله : (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي ولكنه لم يشأ ذلك فلم يحصل ، ومحط التعليق على هداية الجميع ، وأما هداية البعض فقد حصلت.
قوله : (قُلْ هَلُمَ) فيها لغتان : لغة أهل الحجاز عدم إلحاقها شيئا من العلامات ، فهي بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والمثنى والمجموع والقرآن جاء عليها ، وعلى ذلك فهي اسم فعل بمعنى احضروا ، ولغة تميم وهي إلحاقها العلامات ، فتقول هلموا وهلمي وهلما وهلمن ، وعليها فهي فعل أمر ، وهذا الأمر لمزيد التبكيت لهم ، وإقامة الحجة عليهم. قوله : (فَإِنْ شَهِدُوا) أي بعد مجيئهم وحضورهم. قوله : (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي لا تصدقهم ولا تمل لقولهم ، وهذا خطاب له والمراد غيره لاستحالته عليه. قوله : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) معطوف على قوله : (الَّذِينَ كَذَّبُوا). قوله : (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) الجملة حالية ومعنى يعدلون يسوون به غيره ، والمعنى لا تتبع الذين يجمعون بين التكذيب بآيات الله ، وبين الكفر بالآخرة ، وبين الإشراك بالله في أهوائهم.
قوله : (قُلْ تَعالَوْا) لما أقام الله سبحانه وتعالى الحجة على الكفار ، بأنه لا تحليل ولا تحريم إلا بما أحله الله أو حرمه كأن سائلا قال : وما الذي حرمه وأحله؟ فقال سبحانه : (قُلْ تَعالَوْا) الخ ، وتعالوا فعل أمر مبني على حذف النون ، والواو فاعل ، وهو في الأصل موضوع لطلب ارتفاع من مكان سافل إلى مكان عال ، ثم استعمل في الاقبال والحضور مطلقا ، وآثرها إشارة إلى أنهم في أسفل الدركات ، وهو يطلبهم للرفع والعلو من أخس الأوصاف إلى أكملها وأعلاها ، كأنه قال اقبلوا إلى المعالي ، لأن من سمع أحكام الله وقبلها بنصح ، كان في أعلى المراتب. قوله : (أَتْلُ) جواب الأمر مجزوم بحذف الواو ، والضمة دليل عليها ، وقيل جواب لشرط محذوف تقديره إن تأتوا أتل ، أي أقرأ ما حرم الله عليكم.