فجأة (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٤٤) آيسون من كل خير (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي آخرهم بأن استؤصلوا (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٥) على نصر الرسل وإهلاك الكافرين (قُلْ) لأهل مكة (أَرَأَيْتُمْ) أخبروني (إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ) أصمكم (وَأَبْصارَكُمْ) أعماكم (وَخَتَمَ) طبع (عَلى قُلُوبِكُمْ) فلا تعرفون شيئا (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) بما أخذه منكم بزعمكم (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ) نبين (الْآياتِ) الدلالات على وحدانيتنا (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (٤٦) يعرضون عنها فلا يؤمنون (قُلْ) لهم (أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً) ليلا أو نهارا (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) (٤٧) الكافرون أي ما يهلك إلا هم (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) من آمن
____________________________________
مقتدر. قوله : (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) إذا فجائية أي فاجأهم الإبلاس بمعنى اليأس من كل خير. قوله : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) الدابر التابع من خلف ، يقال دبر الولد ، والده ، ودبر فلان القوم ، تبعهم ، فمعنى دابرهم آخرهم ، وهو كناية عن الاستئصال ، فلذلك قال بأن استؤصلوا ، أي فلم يبق منهم أحد. قوله : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) هذا حمد من الله لنفسه على هلاك الكفار ونصر الرسل ، وفيه تعليم للمؤمنين أنهم يشكرون الله على ذلك ، إذ هو نعمة عظيمة.
قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) هذا تنزل من الله سبحانه وتعالى لكفار مكة لإقامة الحجة عليهم قبل أخذهم. قوله : (أخبروني) تقدم أن استعمال رأى في الإخبار مجاز ، وأصل استعمالها في العلم أو في الإبصار ، وتقدم أنها تطلب مفعولين : الأول محذوف لدلالة مفعولي أخذ وهو سمعكم وأبصاركم عليه ، فهو من باب التنازع أعمل الثاني وأضمر في الأول وحذف لأنه فضلة ، والمفعول الثاني هو قوله (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) الخ. قوله : (سَمْعَكُمْ) أفرده وجمع ما بعده ، لأن السمع مصدر لا يثنى ولا يجمع كما تقدم في البقرة. قوله : (وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) المراد بالقلوب العقول أي أذهب عقولكم وصيركم كالبهائم فلا تعقلون شيئا. قوله : (بما أخذه) أشار بذلك إلى أنه أفرد باعتبار ما ذكر ، والمعنى من إله غير الله بزعمكم يأتيكم بأي واحد مما أخذ منكم. قوله : (بزعمكم) متعلق بقوله من إله غير الله فالمناسب تقديمه.
قوله : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) هذا تعجيب لرسول الله من عدم اعتبارهم بتلك الآيات الباهرة وكيف منصوب على التشبيه بالحال ، والمعنى أنظر يا محمد تصريفنا الآيات على أي كيفية. قوله : (أَرَأَيْتَكُمْ) أي أخبروني ، والمفعول الأول الكاف على حذف مضاف أي أنفسكم ، والمفعول الثاني جملة الاستفهام. قوله : (عَذابُ اللهِ) أي كالصيحة والصواعق. قوله : (ليلا أو نهارا) لف ونشر مرتب ، وهذا التفسير لابن عباس ، وقيل البغتة الذي يأتي من غير سبق علامة ، والجهر الذي يأتي مع سبق علامة كان كل بالليل أو النهار. قوله : (الكافرون) أشار بذلك إلى أن المراد هلاك سخط وغضب ، فاندفع ما يقال إن المصيبة إذا أتت فلا تخص الكافر بل تعم الطائع ، فالجواب أن هلاك الكفار سخط وغضب ، وهلاك المؤمن إثابة ورفع درجات ، والاستثناء مفرغ ، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي كما أشار له المفسر.
قوله : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ) هذا بيان لوظائف المرسلين ، والمعنى أن المرسلين منصبهم البشارة لمن آمن ، والنذارة لمن كفر ، وليسوا قادرين على إيجاد نفع أو ضر ، وإنما جعلهم الله سببا لذلك. قوله :