منعه لكم من ذلك (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي ما نهى عنه (عُدْواناً) تجاوزا للحلال حال (وَظُلْماً) تأكيد (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ) ندخله (ناراً) يحترق فيها (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠) هينا (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة وعن ابن عباس هي إلى السبعمائة أقرب (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) الصغائر بالطاعات (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً) بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا (كَرِيماً) (٣١) هو الجنة (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) من جهة الدنيا أو الدين لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) ثواب
____________________________________
رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بحديدة فهو يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا». قوله : (أي ما نهى عنه) أي وهو قتل النفس أو أكل الأموال بالباطل. قوله : (تأكيد) أي لأن الظلم والعدوان بمعنى واحد ، وهو تجاوز الحد.
قوله : (وَكانَ ذلِكَ) أي الإصلاء المذكور. قوله : (وهي ما ورد عليها وعيد) أي واحد ، ولا تحد بالعد. قوله : (أقرب) أي منها للسبعين التي قيل بها. قوله : (بالطاعات) أي يفعلها زيادة على الاجتناب كذا قيل ، وقيل لا يشترط ذلك ، بل تكفر الصغائر باجتناب الكبائر فقط ، فإن اجتناب الكبائر من أعظم الطاعات ، وهو المعتد. قوله : (بضم الميم) أي فيكون مصدرا على صورة المفعول ، لأن مصدر الرباعي يأتي على صورة اسم المفعول ومفعوله محذوف ، أي ندخلكم الجنة إدخالا ، وقوله : (وفتحها) أي فيكون اسم مكان ، فقوله : (أي إدخالا أو موضعا) لف ونشر مرتب ، ويحتمل أن كلا لكل لكن الأول أقرب ، وهما سبعيتان إلا في الإسراء فبالضم لا غير. قوله : (هو الجنة) هذا يناسب كونه اسم مكان ، وأما على كونه مصدرا ، فالمراد أن قرار الإدخال الكريم الجنة ، ومعنى كونه كريما أنه لا نكد فيه ولا تعب ، بل فيه ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
قوله : (وَلا تَتَمَنَّوْا) سيأتي في المفسر سبب نزولها ، وهو تمني أم سلمة كونها من الرجال ، وذلك لأن الله فضل الرجال على الناس بأمور منها : الجهاد والجمعة والزيادة في الميراث وغير ذلك ، والتمني هو التعلق بحصول أمر في المستقبل ، عكس التلهف لأنه التعلّق بحصول أمر في الماضي ، فإن تعلق بانتقال ما لغيره له أو لغيره مع زواله عنه ، فهو حسد مذموم ، وهو معنى قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) وفي ذلك قال ابن حنبل :
ألا قل لمن بات لي حاسدا |
|
أتدري على من أسأت الأدب |
أسأت على الله في فعله |
|
كأنّك لم ترض لي ما وهب |
فكان جزاؤك أن خصّني |
|
وسدّ عليك طريق الطّلب |
وإن تعلق بمثل ما لغيره مع بقاء نعمته ، فإن كان تقوى أو صلاحا وإنفاق مال في الخير فهو مندوب ، وهو المعنى بقوله عليه الصلاة والسّلام «لا حد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الخير ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس» وأما إن كان تمنى المال لمجرد الغنى فهو جائز.