وفي قراءة بالمثلثة لما يحصل بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) باللذة والفرح في الخمر وإصابة المال بلا كد في الميسر (وَإِثْمُهُما) أي ما ينشأ عنهما من المفاسد (أَكْبَرُ) أعظم (مِنْ نَفْعِهِما) ولما نزلت شربها قوم وامتنع آخرون إلى أن حرمتها آية المائدة (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) أي ما قدره (قُلْ) أنفقوا (الْعَفْوَ) أي الفاضل عن الحاجة ولا تنفقوا ما تحتاجون إليه وتضيعوا أنفسكم وفي قراءة بالرفع بتقدير هو (كَذلِكَ) أي كما بين لكم ما ذكر (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢١٩) (فِي) أمر (الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فتأخذون بالأصلح لكم فيهما (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) وما يلقونه من الحرج في شأنهم فإن واكلوهم يأثموا وإن عزلوا ما لهم
____________________________________
رأسه ، فرفع ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله آية المائدة إلى قوله : (فهل أنتم منتهون) فقال عمر : انتهينا يا رب ، فكان يوم نزولها عيدا عظيما ، والخمر كل مائع غيب العقل ولو من غير ماء العنب وهو نجس وفيه الحد قليلا أو كثيرا ، بل بالغ بعض المالكية في الحديث أوجبه على من وضع إبرة فيه ومصها وبلع ريقه ، والحاصل أن المتخذ من ماء العنب نجس يحرم قليله وكثيرة أسكر أم لا ويحد شاربه بإجماع ، وأما المتخذ من غيره من سائر المائعات التي دخلتها الشدة المطربة فكذلك عند الأئمة الثلاثة وبعض الحنفية ، وقال بعضهم لا يحرم منه إلا القدر المسكر ، وأما الجامد الذي يغيب العقل كالحشيشة والأفيون والبنج والداتورة فطاهر يحرم تعاطي القدر المغيب للعقل منه وفيه الأدب. قوله : (القمار) هو آلات الملاهي التي يلعب بها في نظير مال فيشمل الطاب والشطرنج والسيجة ، وأما إن كان بغير مال ففيه خلاف ، قيل كبيرة وقيل صغيرة وقيل مكروه. قوله : (أي في تعاطيهما) لا حاجة له بعد تقدير حكمهما. قوله : (بالمثلثة) أي كثير. قوله : (باللذة والفرح) أي القوة على الجماع والشجاعة والكرم. قوله : (إلى أن حرمتها آية المائدة) ظاهره أن آية المائدة نزلت بعد هذه الآية وليس كذلك بل بينهما آية النساء.
قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ) السائل عمرو بن الجموح المتقدم ، فسأل أولا عن جنس المال الذي ينفق منه وعلى من ينفقه ، وسأل ثانيا عن القدر المنفق فلم يكن بين السؤالين تكرار ، وتقدم الجواب عن الجمع بأنه لما كان ذلك السؤال ينفع جميع الناس فكأن السائل جميع الناس. قوله : (وتضيعوا أنفسكم) أي فالاسراف مذموم وكذا التقتير ، قال تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) الآية ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً). قوله : (قراءة بالرفع) أي وهي لأبي عمرو من السبع ، وسبب القراءتين الاختلاف في إعراب ماذا ينفقون ، فمن أعرب ماذا جميعها اسم استفهام معمولا لينفقون فالجملة فعلية فيكون جوابها كذلك ، فقوله العفو بالنصب معمول لمحذوف ، والجملة في محل نصب مقول القول لأن القول لا ينصب إلا الجمل أو ما قام مقامها ، ومن أعرب ما وحدها اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول خبره وجملة ينفقون صلته فالجملة اسمية فيكون جوابها كذلك ، فالعفو بالرفع خبر لمحذوف أي هو العفو ، والجملة على كل حال مقول القول وهذا هو المناسب ، وإلا فيصح جعل السؤال جملة اسمية ، والجواب جملة فعلية وبالعكس. قوله : (فِي) (أمر) (الدُّنْيا) أي فتصلحوها ولا تسرفوا ولا تقتروا. قوله : (وَالْآخِرَةِ) أي فتصلحوها بالأعمال