توبيخا (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٢٢) أنهم شركاء لله (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) بالتاء والياء (فِتْنَتُهُمْ) بالنصب والرفع أي معذرتهم (إِلَّا أَنْ قالُوا) أي قولهم (وَاللهِ رَبِّنا) بالجر نعت والنصب نداء (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣) قال تعالى (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) بنفي الشرك عنهم (وَضَلَ) غاب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٤) ه على الله من الشركاء (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) إذا قرأت (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أغطية ل (أَنْ) لا (يَفْقَهُوهُ) يفهموا
____________________________________
بثم إشارة إلى أن السؤال بعد الحشر ، والحشر يطول على الكفار قدر خمسين ألف سنة والمقصود من ذلك ردعهم وزجرهم لعلهم يؤمنون في الدنيا فتأمنون من ذلك اليوم وهوله ، والقول إن كان على ألسنة الملائكة فظاهر ، وإن كان من الله مباشرة ورد علينا قوله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقد يجاب بأن المعنى لا يكلمهم كلام رضا ورحمة. قوله : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ) إن قلت : مقتضى هذه الآية أن الشركاء ليسوا حاضرين معهم ، ومقتضى قوله تعالى (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أنهم حاضرون معهم ، فكيف الجمع بينهما؟ اجيب بأن السؤال واقع بعد التبري الكائن من الجانبين ، وانقطاع ما بينهم من الأسباب والعلائق وأضيفوا لهم ، لأن شركتها بتسميتهم وتقولهم. قال تعالى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) الآية. قوله : (أنهم شركاء لله) قدره إشارة إلى أن مفعولي (تَزْعُمُونَ) محذوفان ، وهذه الجملة سدت مسدهما. قوله : (بالتاء والياء) فعلى قراءة التاء يصح رفع (فِتْنَتُهُمْ) اسم تكن ، و (إِلَّا أَنْ قالُوا) خبرها ونصبها خبر تكن مقدم ، وإلا أن قالوا اسمها مؤخر ، ويتعين جر (رَبِّنا) وعلى قراءة الياء إلا نصب فتنتهم خبر يكن مقدم ، وإلا أن قالوا اسمها مؤخر ، ويتعين نصب ربنا ، فالقراءات ثلاث وكلها سبعية ، خلافا لما توهمه المفسر. قوله : (أي معذرتهم) أي جوابهم ، وسماه فتنة لأنه كذب محض لا نفع به ، بل به الفضائح.
قوله : (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) إن قلت : كيف الجمع بين ما هنا وبين قوله ولا يكتمون الله حديثا. قلت : أولا ينكرون الإشراك ويحلفون على عدم وقوعه منهم ، ثم يستشهد الله الأعضاء فتنطق الجوارح ، فحينئذ يودون لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا ، فهم أولا يظنون أن إنكارهم نافع ، فحين تشهد أعضاؤهم يتمنون أن لو كانوا أترابا ولم يكتموا شيئا. قوله : (عَلى أَنْفُسِهِمْ) إنما نسبه لهم وإن كان في الحقيقة كذبا على الله ، لأن ضرره عاد إليهم. قوله : (من الشركاء) بيان لما.
قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) سبب نزولها : أنه اجتمع أبو سفيان وأبو جهل والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف والحرث بن عامر ، يستمعون القرآن فقالوا للنضر : يا أبا قتيبة ما يقول محمد؟ قال ما أدري ما يقول ، غير أني أراه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين ، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر كثير الحديث عن القرون الماضية وأخبارها ، فقال أبو سفيان : إني أرى بعض ما يقول حقا ، فقال أبو جهل : كلا لا نقر بشيء من هذا ، وفي رواية الموت أهون علينا من هذا. وأفرد يستمع مراعاة للفظ من ، وسيأتي في يونس مراعاة معناها ، والحكمة في مراعاة لفظها هنا ، أن ما هنا في قوم قليلين ، وفيما يأتي في الكفار جميعا. قوله : (أَكِنَّةً) جمع كنان وهو الوعاء