فَاتَّبِعُوهُ) يا أهل مكة بالعمل بما فيه (وَاتَّقُوا) الكفر (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٥٥) أنزلناه ل (أَنْ) لا (تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ) اليهود والنصارى (مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ) مخففة واسمها محذوف أي إنا (كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ) قراءتهم (لَغافِلِينَ) (١٥٦) لعدم معرفتنا لها إذ ليست بلغتنا (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) لجودة أذهاننا (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ) بيان (مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) لمن اتبعه (فَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ) أعرض (عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) أي أشده (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) (١٥٧) (هَلْ يَنْظُرُونَ) ما ينتظر المكذبون (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ) بالتاء والياء (الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم (أَوْ يَأْتِيَ
____________________________________
له ، أي كثير الخير والمنافع دينا ودنيا ، والمعنى : هذا القرآن العظيم ، كتاب أنزلناه من اللوح المحفوظ ليلة القدر إلى سماء الدنيا في بيت العزة ، ثم نزل مفرقا على حسب الوقائع ، مبارك كثير الخير والمنافع في الدنيا بالشفاء به ، والأمن من الخسف والمسخ والضلال والآخرة ، بتلقي السؤال عن صاحبه وشهادته له ، وكونه ظلة على رأسه في حر الموقف ، والرقي به إلى الدرجات العلا. قوله : (يا أهل مكة) قصر الخطاب عليهم لأنهم هم المعاندون في ذلك الوقت. قوله : (بالعمل بما فيه) بيان لاتباعه.
قوله : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي تصيبكم الرحمة في الدنيا والآخرة. قوله : (أَنْ تَقُولُوا) مفعول لأجله ، والعامل محذوف قدره المفسر بقوله : (أنزلناه) ، ولا يصح أن يكون العامل أنزلناه المذكور ، لأنه يلزم عليه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي ، وهو لفظ مبارك ، وقدر المفسر لا ، لأن الإنزال علة لعدم القول لا للقول ، وقال بعضهم : إن الكلام على حذف مضاف أي كراهة أن تقولوا وكل صحيح. قوله : (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ) أي جنسه الصادق بالتوراة والإنجيل. قوله : (وَإِنْ) (مخففة) أي من الثقيلة. قوله : (واسمها محذوف) الخ فيه شيء ، وذلك لأن إن المكسورة إذا خففت ودخلت على فعل ناسخ مثل كنا أهملت ، فلا عمل لها ، ووجب اقتران الخبر باللام ، وذلك كما في هذه الآية. قوله : (قراءتهم) أي لكتبهم ، والمعنى لا نفهم معانيها ، لأنها بالعبرانية أو السريانية ، ونحن عرب لا نفهم إلا اللغة العربية. قوله : (لَغافِلِينَ) أي لا نعلمها ، والمقصود قطع حجتهم وعذرهم بانزال القرآن بلغتهم ، والمعنى نزلنا القرآن بلغتهم ، لئلا يقولوا يوم القيامة إن التوراة والإنجيل أنزلا على طائفتين من قبلنا بلغتهما فلم نفهم ما فيهما.
قوله : (أَوْ تَقُولُوا) عطف على المنفي وهو قطع لعذرهم أيضا. قوله : (لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) أي إلى الحق والطريق المستقيم. قوله : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ) أي لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (سُوءَ الْعَذابِ) أي العذاب السيىء بمعنى الشديد. قوله : (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) الباء سببية ، وما مصدرية ، أي بسبب إعراضهم وتكذيبهم بآيات الله.
قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ) استفهام إنكاري بمعنى النفي ، وهو مزيد تخويف وتحذير لمن بقي على الكفر. إن قلت : إن ظاهر الآية يقتضي أنهم مصدقون بهذه الأشياء حتى أثبت لهم انتظار أحدها ، أجيب بأن هذه الأشياء لما كانت محتمة ، عوملوا معاملة المنتظر ، ولم يعول على اعتقادهم ، فالمعنى لا مفر لهم من