أعطيناهم مكانا (فِي الْأَرْضِ) بالقوة والسعة (ما لَمْ نُمَكِّنْ) نعط (لَكُمْ) فيه التفات عن الغيبة (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ) المطر (عَلَيْهِمْ مِدْراراً) متتابعا (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) تحت مساكنهم (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) بتكذيبهم الأنبياء (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٦) (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً) مكتوبا (فِي قِرْطاسٍ) رق كما اقترحوه (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) أبلغ من عاينوه لأنه أنفى للشك (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ) ما (هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧) تعنتا وعنادا (وَقالُوا لَوْ لا) هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ) على محمد صلىاللهعليهوسلم (مَلَكٌ) يصدقه (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً) كما اقترحوا فلم يؤمنوا
____________________________________
الأول. قوله : (وغيرها) أي كاليمن ، فإنه كان لهم رحلتان : رحلة في الصيف للشام ، ورحلة في الشتاء لليمن ، كما يأتي في سورة قريش. قوله : (خبرية) أي وهي مفعول مقدم لأهلكنا. قوله : (مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قبل وجودهم أو قبل زمانهم ، فالكلام على حذف مضاف. قوله : (مِنْ قَرْنٍ) بيان لكم ، والقرن يطلق على الأمة وعليه درج المفسر ، ويطلق على الزمان ، واختلف في حده ، فقيل مائة سنة وهو الأشهر ، وقيل مائة وعشرون ، وقيل ثمانون ، وقيل ستون ، وقيل أربعون ، وقيل غير ذلك.
قوله : (مَكَّنَّاهُمْ) وصف للقرن ، وجمعه باعتبار معناه ، لأن القرن اسم جمع كرهط ، وقوم لفظه مفرد ، ومعناه جمع. قوله : (بالقوة والسعة) أي في الدنيا حتى صاروا ذوي شهامة وغنى عظيم ، ومع ذلك فلم تغن عنهم أموالهم ولا أنفسهم من الله شيئا. قوله : (فيه التفات عن الغيبة) أي ونكتته الاعتناء بشأن المخاطبين حيث خاطبهم مشافهة. قوله : (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) وصف ثان للقرن. قوله : (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ) وصف ثالث له ، والمعنى أن من مضى من قبلكم من الأمم أعطيناهم القوة الشديدة في الجسم والسعة في الأموال والأولاد ومع ذلك فلم ينفعهم من ذلك شيء ، فلا تأمنوا سطوتي بالأولى منهم. وقال الشاعر :
لا يأمن الدهر ذو بغى ولو ملكا |
|
جنوده ضاق عنها السهل والجبل |
قوله : (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً) كلام مستأنف دفع به ما يقال حيث هلك من هلك فقد خرب الكون ، فأجاب بأنه كلما أهلك جماعة أتى بغيرهم ، فإنه قادر على ذلك والقادر لا يعجزه شيء. قوله : (قَرْناً) هنا بالأفراد ، وفي بعض الآيات بالجمع ، والمعنى واحد ، فإن المراد به الجنس وجمع آخرين باعتبار معنى القرن. قوله : (وَلَوْ نَزَّلْنا) شروع في بيان زيادة كفرهم وتسلية له صلىاللهعليهوسلم على عدم إيمانهم به ، وهو رد لقول النضر بن الحرث ، وعبد الله بن أبي أمية ، ونوفل بن خويلد (لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه) ومعه أربعة من الملائكة يشهدون بأنك صادق. قوله : (مكتوبا) إشارة إلى أنه أطلق المصدر ، وأراد اسم المفعول. قوله : (قِرْطاسٍ) القراءة بكسر القاف لا غير ، ويجوز في غير القرآن فتح القاف وضمها ؛ ويقال قرطس كجعفر ودرهم ، ما يكتب فيه مطلقا رقا أو غيره ، فتفسيره له بالرق بفتح الراء على الأفصح تفسير بالأخص. قوله : (كما اقترحوه) أي اخترعوه من الآيات. قوله : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) إن نافية بمعنى ما ، وهذا مبتدأ ، وسحر خبره ، ومبين صفته ، والجملة مقول القول.
قوله : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) هذا من جملة عنادهم وكفرهم. قوله : (فلم يؤمنوا) مرتب على قوله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا) فهو من تتمة الشرط ، والمعنى أن الله لو أجابهم بإنزال ملك ولم يؤمنوا لأهلكهم