ذلك ويزعمونه برا (وَلكِنَّ الْبِرَّ) أي ذا البر (مَنِ اتَّقى) الله بترك مخالفته (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) في الإحرام كغيره (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٨٩) تفوزون. ولما صد صلىاللهعليهوسلم عن البيت عام الحديبية وصالح الكفار على أن يعود العام القابل ويخلوا له مكة ثلاثة وتجهز لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي قريش ويقاتلوهم وكره المسلمون قتالهم في الحرم والإحرام والشهر الحرام نزل (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي لإعلاء دينه (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) من الكفار (وَلا تَعْتَدُوا) عليهم بالابتداء بالقتال (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١٩٠) المتجاوزين ما حد لهم وهذا منسوخ بآية براءة أو بقوله (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) وجدتموهم (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أي مكة
____________________________________
زاعمين أن عدم تغطية الرأس بشيء أصلا غير السماء بر. قوله : (بترك مخالفته) أي مطلقا وامتثال المأمورات على حسب الطاقة.
قوله : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) حاصل ذلك أن الله أخبرنا بجملتين وأمرنا بجملتين مرتبا على الأوليين : فقوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) جملة خبرية رتب عليها قوله : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها). وقوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) جملة خبرية أيضا رتب عليها قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ). قوله : (تفوزون) أي تسعدون وتظفرون برضاه. قوله : (ولما صد إلخ) أي صده المشركون ومنعوه وصرفوه ، والمراد بالبيت الكعبة ، وحاصله أن النبي صلىاللهعليهوسلم سنة ست من الهجرة توجه مع ألف وأربعمائة لفعل عمرة لأن الحج إذ ذاك لم يكن فرض ، فنزلوا الحديبية بمكان قريب من مكة يسمى وادي فاطمة ، فخرجت عليهم سفهاء مكة يقاتلونهم بالأحجار والسهام ، فأرسل رسول الله عثمان يستأذن أهل مكة في أن يدخل هو وأصحابه ويطوفوا ويكملوا عمرتهم ، فأشاع الكفار وابليس أن عثمان قد مات فبايع النبي أصحابه تحت الشجرة على قتالهم ، فحصل صلح بينه وبينهم عشر سنين ، وتبين أن عثمان حي لم يمت وأتى اليهم وقال إن الكفار أوعدونا إلى العام القابل. فتحلل المسلمون مكانهم في الحديبية ونحروا هديهم وحلقوا وانصرفوا راجعين ، ثم في العام القابل وهو سنة سبع ، تجهز رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعمرة القضاء ، وسميت قضاء لأنها وقع فيها المقاضاة والصلح لا أنه لزمهم قضاء للعمرة السابقة ، لأن من صد لا يلزمه قضاء ، فخافت المسلمون أن قريشا لا تفي بالوعد ويحصل قتال في الشهر الحرام والحرم والإحرام فنزلت الآية. قوله : (وصالح الكفار) يصح أن الكفار فاعل بصالح والمفعول محذوف تقديره صالحه ، ويصح أن الفاعل مستتر تقديره هو يعود على النبي والكفار مفعول. قوله : (على أن يعود العام القابل) تقدم أنه عام سبع. قوله : (وخافوا أن لا تفي قريش إلخ) أي فيحصل المحذور الذي هو القتال في الحرم والإحرام والشهر الحرام. قوله : (نزل) هذا جواب لما أي فهو سبب النزول.
قوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) السبيل في الأصل الطريق فاستعير لدين الله وشرائعه بجامع التوصل للمقصود في كل. قوله : (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) أي لا تبتدئوهم بالقتال. قوله : (وَلا تَعْتَدُوا) المراد بالإعتداء هنا ابتداء القتال لا حقيقة الإعتداء الذي هو تجاوز الحد. قوله : (وهذا منسوخ بآية براءة) أي بقوله وقاتلوا المشركين كافة ، فأزال الله الضيق عن المسلمين وأبدله بالسعة ، وفي الحقيقة هذه الآية نسخت نحو سبعين آية من القرآن حصل فيها نهي عن القتال. قوله : (أو بقوله إلخ) أي وهذا أبلغ لكونها بلصقها. قوله : (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أي من المكان الذي أخرجوكم منه