الصَّاعِقَةُ) الصيحة فمتم (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (٥٥) ما حل بكم (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) أحييناكم (مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٦) نعمتنا بذلك (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس في التيه (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ) فيه (الْمَنَّ وَالسَّلْوى) هما الترنجبين والطير السمانى بتخفيف الميم والقصر وقلنا (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) ولا تدخروا فكفروا النعمة وادخروا فقطع عنهم (وَما ظَلَمُونا) بذلك (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧) لأن وباله عليهم
____________________________________
ربنا. قوله : (الصيحة) قيل صاح عليهم ملك ، وقيل نزلت عليهم نار فأحرقتهم ، وجمع بأنه أصابهم كل منهما. قوله : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أي فماتوا مترتبين واحدا بعد واحد ومكثوا ميتين يوما وليلة والحي ينظر للميت. قوله : (ما حل بكم) إشارة إلى مفعول تنظرون.
قوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) أي واحدا بعد واحد لتعتبروا وهذا الموت حقيقي وإنما أحيوا بشفاعة موسى ليستوفوا آجالهم المقدرة لهم ، وما ذكره المفسر من أن السائل لرؤية الله جهرة هم السبعون المختارون للمناجاة أحد طريقتين والثانية أن السائل غيرهم ، وأما المختارون فصعقوا من هيبة الله ولم يسألوا رؤية ولم يكن منهم انكار ، فتضرع موسى لربه وقال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ، فأحياهم الله بعد ذلك ، ويشهد لذلك ما في آية النساء فإن ما فيها يدل على أن طلب الرؤية كان قبل عبادة العجل. وأما السبعون المختارون للمناجاة فكانوا بعد عبادة العجل قالت تعالى في سورة النساء : (فقالوا أرنا الله جهرة) الآية ، وأما ما هنا فالواو لا تقتضي ترتيبا ولا تعقيبا فإن ما هنا بصدد تعداد ما قالوا ، ويشهد لذلك أيضا أنه عبر في جانب من طلب الرؤية بالصاعقة وهي أخذة غضب ، وفي جانب من يسمع الكلام بالرجفة وهي أخذة هيبة ، ولا تقتضي الغضب إذ علمت ذلك ، فما مشى عليه المفسر مشكل من وجوه والأقرب الطريقة الثانية. قوله : (سترناكم بالسحاب) حاصله أن الله أوحى إلى موسى أن في أريحا قوما جبارين فتجهز لقتالهم ، فخرج في ستمائة ألف فلما وصل التيه واد بين الشام ومصر وقدره تسعة فراسخ مكثوا فيه أربعين سنة متحيرين ، وكانوا يبتدئون السير من أول النهار فإذا جاء الليل وجدوا أنفسهم في المبتدأ وهكذا ، وسيأتي بسطه في المائدة ، ومات هارون قبل موسى بسنة وكانت بالتية ، ولما توفي هارون وذهب موسى لدفنه أشاعوا أنه قتل أخاه فذهب إلى قبره ودعاهم وسأله عن سبب موته فبرأه ، ولما حضرت موسى الوفاة تمنى أن يدفن بمحل قريب من الأرض المقدسة قدر رمية الحجر فأجابه الله ، ثم لما مات ومات كبارهم نبىء يوشع بن نون عليهم فوقفوا بعد تمام الأربعين سنة لقتال الجبارين ، فتوجه مع من بقي من بني اسرائيل فكان النصر على يديه. قوله : (الترنجين) شيء يشبه العسل الأبيض وقيل هو هو. قوله : (والطير السمانى) أي بإرسال ريح الجنوب به ، قيل كان يأتيهم مطبوخا ، وقيل كانوا يطبخونه بأيديهم ، قيل هو الطير المعروف وقيل طير يشبهه. قوله : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي مستلذات الذي رزقناكموه ، فما اسم موصول وما بعده صلة والعائد محذوف ، ويصح أن تكون نكرة والجملة بعدها صفة ، وأن تكون مصدرية والجملة صلتها ولم تحتج إلى عائد ويكون المصدر واقعا موقع المفعول أي من طيبات مرزوقنا. قوله : (فقطع عنهم) هذا أحد تفسيرين أن القطع بسبب الإدخار ، وقيل إن القطع بسبب تمني غيره كما يأتي في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ). قوله : (وَلكِنْ كانُوا) جمع في هذه الآية وآية الأعراف بين لكن وكانوا واقتصر على لكن ، ولم يذكر كانوا في آل عمران ، لأن ما هنا