بِالْعِبادِ) (٣٠) ونزل لما قالوا ما نعبد الأصنام إلا حبا لله ليقربونا إليه (قُلْ) لهم يا محمد (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) بمعنى أنه يثيبكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ) لمن اتبعني ما سلف منه قبل ذلك (رَحِيمٌ) (٣١) به (قُلْ) لهم (أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) فيما يأمركم به من التوحيد (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا عن الطاعة (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٣٢) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر أي لا يحبهم بمعنى أنه يعاقبهم (إِنَّ اللهَ اصْطَفى) اختار (آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ
____________________________________
الدنيا فأنا أركبك الآن ، وذلك قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) ولو شرطية ، في الكلام حذفان أحدهما حذف مفعول تود ، والثاني حذف جواب لو ، والتقدير تود تباعدا ما بينها وبينه ، لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا لسرت بذلك.
قوله : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) أي شديد الرحمة بهم ، حيث قطع عذرهم بتبيين ذلك في زمن يسع التوبة والرجوع إليه فيه. ومن جملة رأفته كثرة التكرار والتأكيد في الكلام لعله يصل إلى قلوب السامعين فيعملوا بمقتضاه. قوله : (ونزل لما قالوا الخ) وقيل سبب نزولها قول اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه. وقيل قول نصارى نجران ما عبدنا عيسى وأمه إلا محبة لله. وقيل سبب نزولها أن النبي دخل الكعبة فوجد الكفار يعلقون على الأصنام بيض النعام ويزخرفونها فقال لهم ما هذه ملة إبراهيم التي تدعونها ، فقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. قوله : (قُلْ) (لهم يا محمد) أي ردا لمقالهم. قوله : (فَاتَّبِعُونِي) أي في جميع ما جئت به ، والمعنى أن اتباع النبي فيما جاء به دليل على محبة الإنسان لربه ، وهي ميل القلب نحوه وإيثار طاعته على هوى نفسه فيلزم من المحبة الطاعة ، قال بعض العارفين :
لو قال تيها قف على جمر الغضا |
|
لوقفت ممتثلا ولم أتوقف |
وقال بعضهم :
تعصي الاله وأنت تظهر حبه |
|
هذا لعمري في القياس بديع |
لو كان حبك صادقا لأطعته |
|
إن المحب لمن يحب مطيع |
فمن ادعى المحبة من غير طاعة فدعواه باطلة لا تقبل. قوله : (بمعنى أنه يثيبكم) أشار بذلك إلى أن معنى المحبة الأصلي محال في حقه تعالى ، وأن المراد بمحبة الله للعبد قبوله والإثابة على أعماله. قوله : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أي يمحها من الصحف ، فالمحبوب لا يبقى عليه ذنب ، والمبغوض لا تبقى له طاعة ، قال بعض العارفين : واجعل سيئاتنا سيئات من أحببت ، ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغضت ، فالإحسان لا ينفع مع البغض منك ، والإساءة لا تضر مع الحب منك. قوله : (رحيم به) أي في الدنيا والآخرة. قوله : (من التوحيد) أي وغيره من شرائع الدين قوله : (أعرضوا عن الطاعة) أي فلم يتبعوك فيما أمرت به. قوله : (فيه إقامة الظاهر) أي تبكيتا لهم.
قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) قال ابن عباس : قالت اليهود نحن من أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونحن على دينهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والمعنى إن الله اصطفى هؤلاء بالإسلام والنبوة والرسالة ، وأنتم يا معشر اليهود على غير دينهم ، وعاش آدم في الأرض تسعمائة وستين سنة ، وأما مدة إقامته في الجنة فلا تحسب. قوله : (وَنُوحاً) هذا لقبه ، واسمه الأصلي عبد الغفار ، وقيل السكن ، ولقب