تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) بالمعاصي (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) يرفعها بالقتل كما فعل بنو الجان وكانوا فيها فلما أفسدوا أرسل الله عليهم الملائكة فطردوهم إلى الجزائر والجبال (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ) متلبسين (بِحَمْدِكَ) أي نقول سبحان الله وبحمده (وَنُقَدِّسُ لَكَ) ننزهك عما لا يليق بك ، فاللام زائدة والجملة حال أي فنحن أحق بالإستخلاف (قالَ) تعالى (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣٠) من المصلحة في استخلاف آدم وأن ذريته فيهم المطيع والعاصي فيظهر العدل بينهم ، فقالوا لن يخلق ربنا خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم لسبقنا له ورؤيتنا ما لم يره ، فخلق تعالى آدم من أديم الأرض أي وجهها بأن قبض منها قبضة من جميع ألوانها وعجنت بالمياه المختلفة وسواه ونفخ فيه الروح فصار حيوانا حساسا بعد أن كان جمادا (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ) أي
____________________________________
ورئيسهم إبليس ، فإن الله خلق خلقا وأسكنهم الأرض يسمون بني الجان فأفسدوا في الأرض ، فسلط الله عليهم هؤلاء الملائكة فطردوهم وسكنوا موضعهم ، ويحتمل أن الخطاب لعموم الملائكة ، قوله : (مَنْ يُفْسِدُ فِيها) أي بمقتضى القوة الشهوية ، وقوله : (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) أي بمقتضى القوة الغضبية ، فإن في الإنسان ثلاثة اشياء : قوة شهوية ، وقوة غضبية ، وقوة عقلية فبالأوليين يحصل النقص ، وبالأخيرة يحصل الكمال والفضل ، وقد نظر الملائكة للأوليين ولم ينظروا للثالثة. قوله : (كما فعل بنو الجان) قيل الجان ابليس ، وقيل مخلوق آخر ، وإبليس أبو الشياطين ، قوله : (أرسل الله عليهم الملائكة) أي المسلمين بالجان ورئيسهم إبليس ، وفي هذه الآية امور منها : مشاورة العظيم للحقير ، ولا بأس بها لتأليف الحقير ، قال تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ، ومنها إظهار عجز الملائكة عن علم الغيب ، ومنها اظهار فضل آدم للملائكة ، ومنها أنه لا ينبغي ترك الخير الكثير من أجل شر قليل ، فإن بني آدم خيرهم غالب سرهم ، فإن منهم الأنبياء والرسل والأولياء ، وإن لم يكن منهم إلا سيدنا محمد لكفى ، قوله : (متلبسين) أشار بذلك إلى أن الباء للملابسة ، والجملة من قبيل الحال المتداخلة ، قوله : (وَنُقَدِّسُ لَكَ) التقديس في اللغة يرجع لمعنى التسبيح وهو التنزيه عما لا يليق ، وأما هنا فالتسبيح يرجع للعبادة الظاهرية ، والتقديس يرجع للإعتقادات الباطنية ، قوله : (فاللام زائدة) أي لتأكيد التخصيص ، ويحتمل أنها للتعدية والتعليل أي ننزهك لك لا طمعا في عاجل ولا آجل ، ولا خوفا من عاجل ولا آجل فتنزيهنا لذاتك فقط ، قوله : (أي فنحن أحق بالإستخلاف) ليس المقصود من ذلك الإعتراض على الله ولا احتقار آدم ، وإنما ذلك لطلب جواب يريحهم من العناء ، حيث وقعت المشورة من الله لهم ، قوله : (فيظهر العدل بينهم) أي فالطائع المؤمن له الجنة ، والعاصي الكافر له النار ، قوله : (فقالوا) أي سرا في أنفسهم ، قوله : (لسبقنا له) أي للخلق وهو راجع لقوله أكرم ، وقوله : (ورؤيتنا) راجع لقوله ولا أعلم فهو لف ونشر مرتب ، قوله : (جميع ألوانها) تقدم أنها ستون ، وورد أن الله لما أراد خلق آدم أوحى إلى الأرض إني خالق منك خلقا من أطاعني ادخلته الجنة ، ومن عصاني أدخلته النار ، فقالت يا ربنا أتخلق مني خلقا يدخل النار؟ فقال نعم فبكت فنبعت العيون من بكائها فهي تجري إلى يوم القيامة ، قوله : (بالمياة المختلفة) أي على حسب الألوان. قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ) الحق أن آدم ممنوع من الصرف للعلمية والعجمية وليس منصرفا ولا مشتقا على التحقيق ، قوله : (أي اسماء المسميات) أشار بذلك إلى أن أل عوض عن المضاف اليه ، والمراد