أوصلها الله (إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ) أي ذو روح (مِنْهُ) أضيف إليه تعالى تشريفا له وليس كما زعمتم أنه ابن الله أو إلها معه أو ثالث ثلاثة لأن ذا الروح مركب والإله منزه عن التركيب وعن نسبة المركب إليه (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا) الآلهة (ثَلاثَةٌ) الله وعيسى وأمه (انْتَهُوا) عن ذلك وائتوا (خَيْراً لَكُمْ) منه وهو التوحيد (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ) تنزيها له عن (أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا وعبيدا والملكية تنافي النبوة (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (١٧١) شهيدا على ذلك (لَنْ يَسْتَنْكِفَ) يتكبر ويأنف (الْمَسِيحُ) الذي زعمتم أنه إله عن (أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) عند الله لا يستنكفون أن يكونوا عبيدا وهذا من أحسن الاستطراد ذكر للرد على من زعم أنها آلهة أو بنات الله كما رد بما قبله على النصارى الزاعمين ذلك
____________________________________
قوله : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) المسيح مبتدأ ، وعيسى بدل أو عطف بيان عليه ، وابن مريم صفته ، ورسول الله خبره. قوله : (وَكَلِمَتُهُ) أي أنه نشأ بكلمة كن ، من غير واسطة أب ولا نطفة ، وقوله : (أَلْقاها) أي بنفخ جبريل في جيب درعها ، فحصل النفخ إلى فرجها فحملت به. قوله : (وَرُوحٌ مِنْهُ) سمي بذلك لأنه حصل من الريح الحاصل من نفخ جبريل ، روي أن الله تعالى لما خلق أرواح البشر جعلها في صلب آدم عليهالسلام ، وأمسك عنده روح عيسى ، فلما أراد الله أن يخلقه ، أرسل بروحه مع جبريل إلى مريم ، فنفخ في جيب درعها فحملت بعيسى. قوله : (مِنْهُ) أي نشأت وخلقت ، فمن ابتدائية لا تبغيضية كما زعمت النصارى. حكي أن طبيبا حاذقا نصرانيا جاء للرشيد ، فناظر علي بن الحسين الواقدي ذات يوم ، فقال له : إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى جزء من الله وتلا هذه الآية ، فقرأ الواقدي له : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) فقال : إذن يلزم أن تكون جميع الأشياء جزءا منه سبحنه ، فبهت النصراني وأسلم ، وفرح الرشيد فرحا شديدا ، وأعطى الواقدي صلة فاخرة. قوله : (أنه ابن الله الخ) أشار بذلك إلى أنهم فرق ثلاثة : فرقة تقول إنه ابن الله ، وفرقة تقول إنهما إلهان الله وعيسى ، وفرقة تقول الآلهة ثلاثة : الله وعيسى وأمه. قوله : (لأن ذا الروح مركب) أشار بذلك إلى قياس من الشكل الأول ، وتقريره أن تقول عيسى ذو روح ، وكل ذي روح مركب ، وكل مركب لا يكون إلها ينتج عيسى لا يكون إلها. قوله : (الآلهة) (ثَلاثَةٌ) أشار بذلك إلى أن ثلاثة خبر لمحذوف ، والجملة مقول القول. قوله : (وائتوا) (خَيْراً) أي اقصدوه ، ويصح أن يكون خبرا لكان المحذوفة ، أي يكن الانتهاء خيرا قوله : (منه) أي مما ادعيتموه ، وقوله : (وهو التوحيد) بيان للخير.
قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي فإذا كان يملك جميع ما فيهما ومن جملة ذلك ، عيسى ، فكيف يتوهم كون عيسى ابن الله ، فهذه الجملة تعليل لقوله سبحانه. قوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) سبب نزولها أن وفد نجران قالوا يا محمد إنك تعيب صاحبنا فتقول إنه عبد الله ، فقال رسول الله : إنه ليس بعار على عيسى أن يكون عبد الله ، فنزلت. قوله : (عن) (أَنْ يَكُونَ) أشار بذلك إلى أنه حذف الجار من أن ، والمعنى لن يستنكف المسيح عن كونه عبد الله. قوله : (وهذا من أحسن الاستطراد) أي قوله : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) لأن الاستطراد ذكر الشيء في غير محله لمناسبة ، والمناسبة هنا الرد على النصارى في عيسى ، فناسب أن يرد على المشركين في قولهم الملائكة بنات الله.