يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي متفرقة قدام المطر وفي قراءة بسكون الشين تخفيفا وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدرا وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل النون أي مبشرا ومفرد الأولى نشور كرسول والأخيرة بشير (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ) حملت الرياح (سَحاباً ثِقالاً) بالمطر (سُقْناهُ) أي السحاب وفيه التفات عن الغيبة (لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) لا نبات به أي لإحيائها (فَأَنْزَلْنا بِهِ) بالبلد (الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ) بالماء (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ) الإخراج (نُخْرِجُ الْمَوْتى) من قبورهم بالإحياء (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٥٧) فتؤمنون (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) العذب التراب (يَخْرُجُ نَباتُهُ) حسنا (بِإِذْنِ رَبِّهِ) هذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها (وَالَّذِي خَبُثَ) ترابه (لا
____________________________________
قوله : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) معطوف على قوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ) الآية ، والرياح جمع ريح ، وهي أربعة : الصبا والدبور والجنوب والشمال ، فالصبا تثير السحاب وهي من مطلع الشمس ، والشمال تجمعه وهي من تحت القطب ، والجنوب تدره وهي من جهة القبلة ، والدبور تفرقه وهي من مغرب الشمس ، وفي رواية الرياح ثمانية ، أربعة عذاب : العاصف والقاصف والصرصر والعقيم ، وأربعة رحمة : الناشرات والمرسلات والنازعات والمبشرات. قوله : (متفرقة) هذا التفسير لم يوافقه عليه أحد ، بل بعض المفسرين قال : إن معنى نشرا منتشرة متسعة أو ناشرة للسحاب. قوله : (قدام المطر) في الكلام استعارة مكنية ، حيث شبهت الرحمة بمعنى المطر بسلطان يقدم وله مبشرات ، وطوى ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه ، وهو قوله : (بَيْنَ يَدَيْ) فإثباته تخييل. قوله : (تخفيفا) أي بحذف ضمة الشين ، وهي سبعية أيضا كاللتين بعدها. قوله : (بسكونها وفتح النون) أي وإفراد الريح. قوله : (نشرا) أي إما بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول ، أي ناشرة للسحاب أو منشورة. قوله : (ومفرد الأولى) أي ضم الشين ومثلها سكونها ، فمفرد الاثنين واحد.
قوله : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ) غاية لإرسال الرياح. قوله : (سَحاباً) هو ثمر شجرة في الجنة. قوله : (بالمطر) متعلق بثقالا والباء للسببية. قوله : (عن الغيبة) أي إلى التكلم ، إذ كان مقتضى الظاهر فساقه. قوله : (لا نبات فيه) أي فموت الأرض كناية عن عدم النبات بها. قوله : (بالبلد) أشار بذلك إلى أن الضمير في : (به) عائد على البلد ، وتكون الباء بمعنى في ، وقوله : (بالماء) يشير إلى أن الضمير عائد على الماء ، والباء سببية ، ويصح عوده على البلد ، وتكون الباء بمعنى في. قوله : (كَذلِكَ) (الإخراج) أي فالتشبيه مطلق الإخراج من العدم ، فمن كان قادرا على إخراج الثمار من الأرض ، سيما أرض الجبال التي شأنها عدم إنبات شيء من الثمار ، قادر على إحياء الموتى من قبورهم فهو رد على منكري البعث.
قوله : (وَالْبَلَدُ) أي الأرض. قوله : (حسنا) أخذه من قوله : (لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً). قوله : (بِإِذْنِ رَبِّهِ) أي بإرادته ولم يذكر ذلك في المقابل وإن كان بإذنه أيضا تعليما لعباده الأدب ، حيث أسند لنفسه الخير دون الشر وإن كان منه أيضا لما ورد : إن الله جميل يحب الجمال ، ولقوله تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) ولم يقل وبيدك الشر ، فلا يجوز أن يقال سبحان من خلق القرد ، ولا سبحان من دبب الشوك. قوله : (هذا مثل للمؤمن) أي ولعمله ، فمثل المؤمن كمثل الأرض الطيبة ، ومثل المواعظ والقرآن كمثل الماء ، فكما أن