على الأحياء سأله مع علمه بإيمانه بذلك ليجيبه بما سأل فيعلم السامعون غرضه (قالَ بَلى) آمنت (وَلكِنْ) سألتك (لِيَطْمَئِنَ) يسكن (قَلْبِي) بالمعاينة المضمومة إلى الاستدلال (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) بكسر الصاد وضمها أملهن إليك وقطعهن واخلط لحمهن وريشهن (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ) من جبال أرضك (مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَ) إليك (يَأْتِينَكَ سَعْياً) سريعا (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يعجزه شيء (حَكِيمٌ) (٢٦٠) في صنعه فأخذ طاووسا ونسرا وغرابا وديكا وفعل بهن ما ذكر وأمسك رؤوسهن عنده ودعاهن فتطايرت الأجزاء إلى بعضها حتى تكاملت ثم أقبلت إلى رؤوسها (مَثَلُ) صفة نفقات (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي
____________________________________
فانتقل لحجة أخرى وهي (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) الآية ، فعند ذلك تشوق للمعاينة لتقوى حجته على قومه إذا سألوه عن المعاينة وقال رب أرني ، الآية.
قوله : (أَرِنِي) أصله أرئيني بوزن أكرمئي حذفت الياء لأن الأمر كالمضارع فصار أرئيني ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء ، وحذفت الهمزة والرؤية هنا بصرية تتعدى إلى مفعول واحد فلما دخلت همزة النقل تعدت إلى مفعول ثان وهو جملة الاستفهام. قوله : (سأله) أي سأل إبراهيم. قوله : (بذلك) أي بقدرته على إحياء الموتى. قوله : (ليجيب) علة لسأل وفاعل الإجابة إبراهيم وهو المسؤول. وقوله : (بما سأله) أي الله ، وقوله : (فيعلم السامعون غرضه) أي لأن سؤاله أولا يوهم عدم إيمانه فترتب على سؤال الله بقوله : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) كشف إبراهيم عن مراده. بقوله : (بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قوله : (آمنت) قدره إشارة إلى أن قوله ولكن ليطمئن قلبي مرتب عليه وهناك محذوف آخر تقديره وليس سؤالي لعدم إيمان مني ولكن الخ. قوله : (يسكن) (قَلْبِي) أي من اضطرابه واشتياقه إلى المعاينة ، ولا يقدح ذلك في إيمان إبراهيم ، فإن الإنسان مؤمن برسول الله وبيت الله الحرام ، ولكن قلبه مشتاق ومضطرب لمشاهدة رسول الله وبيته الحرام غاية الاشتياق ، ومع ذلك لا يقدح في إيمانه بما ذكر ، وكسؤال موسى رؤية الله مع كونه في أعلى مراتب الإيمان بالله. قوله : (بالمعاينة المضمومة إلى الاستدلال) إن قلت : إن إيمان الأنبياء حق يقين لا علم يقين ولا عين يقين ، فكيف يطلب إبراهيم الانتقال من علم اليقين إلى عين اليقين مع أن مرتبته فوق ذلك ، أجيب بأن هذا الكلام بالنسبة للذات والصفات لوجدها بجيث لو كشف عنا الحجاب لرأيناها ، وأما إيجاد الله للأشياء فهو أمر اعتباري يطلع الله على ذلك من خصه برحمته فلا يشاهده إلا من رآه بعينه ، وأجيب أيضا بأنه من أهل حق اليقين في الجميع لأن الله يمثل لأحبائه الأمور الاعتبارية التي ستحصل. فتصير كالمشاهدة الحاضرة فلا فرق في حق اليقين بين شهود الذات والصفات والأفعال ، وإنما طلب ذلك لأجل تمام الاستدلال والاحتجاج على قومه وهذا هو الأتم. قوله : (بكسر الصاد وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أملهن إليك) أي (وقطعهن) فهما معنيان لصرهن والمفسر جمع بينهما. قوله : من جبال أرضك) أي من جبال حولك وكانت أربعا وقيل سبعا. قوله : (فأخذ طاووسا الخ) الحكمة في اختيار هذه الطيور الأربعة شبهها بالإنسان فإن في الطاووس الخيلاء والعجب ، وفي النسر شهوة الأكل والشرب ، وفي الغراب الحرص ، وفي الديك شهوة النكاح ، وذلك كله في الإنسان. قوله : (ثم أقبلت إلى رؤوسها) أي بدعائها ثانيا ، فالدعوة الأولى لالتئام أجزائها ، والثانية لاتيانها إليه لأخذ رؤوسها وإنما لم تكن من جنس