(خالِدِينَ فِيها) أي اللعنة أو النار المدلول بها عليها (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) طرفة عين (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (١٦٢) يمهلون لتوبة أو معذرة. ونزل لما قالوا صف لنا ربك (وَإِلهُكُمْ) المستحق للعبادة منكم (إِلهٌ واحِدٌ) لا نظير له في ذاته ولا في صفاته (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) هو (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (١٦٣) وطلبوا آية على ذلك فنزل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما فيهما من
____________________________________
الكفر حتى ماتوا عليه. قوله : (أي هم مستحقون ذلك) أشار بذلك لدفع التكرار ، كأنه قال : المراد باللعنة الأولى حصولها بالفعل وبالثانية استحقاقها ، وفي الحقيقة لا تكرار لأن ما تقدم في الكفار من أحبار اليهود وهذا في الكفار عموما. قوله : (قيل عام) أي حتى الكفار لأنه يلعن بعضهم بعضا. قوله : (وقيل المؤمنون) أي من الإنس والجن والملائكة. قوله : (أي اللعنة) أي ويلزم من خلوده في اللعنة خلوده في النار. قوله : (المدلول بها) أي اللعنة وقوله أي عليها أي النار. قوله : (طرفة) أي مقدار تغميض العين وفتحها العادي. قوله : (يمهلون) أشار بذلك إلى أنه من الإنظار بمعنى الإمهال والتأخير ، قال تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) أجارنا الله والمسلمين من النار. قوله : (ونزل) أي بمكة لأن هذه الآية وما بعدها مكية وإن كانت السورة مدنية. قوله : (لما قالوا) أي مشركوا العرب وكانوا إذ ذاك يعبدون ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة ، نزلت سورة الإخلاص أيضا ردا عليهم.
قوله : (وَإِلهُكُمْ) مبتدأ وإله خبره وواحد صفته وهو محط الفائدة على حد : مررت بزيد رجلا صالحا ، فهي كالحال الموطئة ، وقوله لا إله إلا هو خبر ثان مؤكد لما قبله لقصد الإيضاح. قوله : (لا نظير له إلخ) فيه نفي الكموم الخمسة وتوضيحه أن قوله لا نظير له في ذاته ، أي إن ذاته ليست مركبة من أجزاء وليس لأحد ذات كذاته ولا في صفاته ، أي ليست صفاته متعددة من جنس واحد ، بمعنى أنه ليس له علمان ولا سمعان إلى آخرها ، وليس لأحد صفة كصفات مولانا ، فهذه أربعة كموم متصلان في الذات والصفات ومنفصلان فيهما ، والخامس المنفصل في الأفعال بمعنى أنه ليس لأحد فعل مع الله وأما المتصل فيها فهو ثابت لا ينفى لأن أفعاله على حسب شؤونه في خلقه.
قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا معبود بحق موجود إلا هو أي إلهكم ، وفي الكلام تغليظ لهم ، وإعرابه لا نافيه للجنس تعمل عمل إن. إله اسمها مبني على الفتح في محل نصب ، والخبر محذوف تقديره موجود ، وإلا أداة حصر وهو ضمير منفصل بدل من الضمير المستتر في الخبر ، والتقدير : لا إله موجود هو إلا هو ، وقوله الرحمن الرحيم خبر ثالث ، والمقصود من تعدد الأخبار أيضا أمر الإله لهم وتبكيت لهم لالزامهم الحجة وهذه طريقة ، ومشى المفسر على أن الرحمن الرحيم خبر لمبتدأ محذوف ، وكل صحيح. قوله : (وطلبوا آية) أي دليلا على ما تقدم من الدعاوى ، فإن قوله وإلهكم إله واحد دعوى أولى ، وقوله لا إله هو دعوى ثانية ، وقوله الرحمن الرحيم دعوى ثالثة. قوله : (فنزل) (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ) أي إلى قوله لآيات وهي ثمانية أشياء في كل شيء منها آيات فهو إجابة بالمطلوب وزيادة :
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه الواحد |
وإن حرف نصب وتوكيد وفي خلق السموات جار ومجرور خبر مقدم ولآيات اسمها مؤخر وحذفه من الأول لدلالة الأخير عليه كأنه قال واختلاف الليل والنهار لآيات والفلك التي تجري في البحر لآيات