الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أي استبدلوها به (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) أي ما ربحوا فيها بل خسروا لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٦) فيما فعلوا (مَثَلُهُمْ) صفتهم في نفاقهم (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ) أوقد (ناراً) في ظلمة (فَلَمَّا أَضاءَتْ) أنارت (ما حَوْلَهُ) فأبصر واستدفأ وأمن مما يخافه (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) أطفأه وجمع الضمير مراعاة لمعنى الذي
____________________________________
والمراد بالعمه عدم معرفة الحق من الباطل ، فمنهم من يظهر له وجه الحق ويكفر عنادا ، ومنهم من يشك في الحق ويقال له عمى أيضا ، فبين العمه والعمى عموم وخصوص مطلق يجمعان في طمس القلب وينفرد العمى بفقد البصر. قوله : (تحيرا) إما مفعول لأجله أو تمييز. قوله : (استبدلوها به) أشار بذلك إلى أن المراد بالشراء مطلق الإستبدال ، والباء داخلة على الثمن ، والمراد بالضلالة الكفر وبالهدى الإيمان وكلامه يقتضي أن الهدى كان موجودا عندهم ثم دفعوه وأخذوا الضلالة ، وهو كذلك لقوله صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة حتى يهودانه أبواه» الحديث ، ولأنهم في العهد يوم (ألست بربكم) أجابوا بالإيمان جميعا. قوله : (أي ما ربحوا فيها) أشار بذلك إلى أن إسناد الربح للتجارة مجاز عقلي وحقه أن يسند للتجر. قوله : (بل خسروا) أي الربح ورأس المال جميعا خسرانا دائما فقوله : (لمصيرهم) علة له. فمثلهم كمثل من عنده كنز عظم ينفع في الدنيا والآخرة استبدله بالنار لأن الضلالة سبب للنار.
قوله : (مَثَلُهُمْ) لما بين قبائحهم وعاقبة أمرهم شرع يضرب أمثالهم ويبين فيه وصفهم وما هم عليه. قوله : (صفتهم) أشار بذلك إلى أن المثل بالتحريك هنا معناه الصفة ، وليس المراد به المثل السائر وهو كلام شبه مضربه بمورده لغرابته كقولهم الصيف ضيعت اللبن. وقوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً) الآية ، وإنما فسره بالصفة ولم يفسره بالمثل بمعنى الشبه ، لئلا يلزم عليه زيادة الكاف ، والأصل عدم الزيادة ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مثل التقدير صفتهم كائنة مثل صفة (الذي استوقد نارا) ، ويصح في هذه الكاف أن تكون اسما وهي نفسها هي الخبر ، وإنما جربها لأنها على صورة الحرف وأن تكون حرفا متعلقة بمحذوف وعلى كل معناها مثل. قوله : (اسْتَوْقَدَ) راعى في الإفراد لفظ الذي. وفي قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) معناه. قوله : (أوقد) أشار بذلك إلى أن السين والتاء زائدتان لا للطلب ، لأنه لا يلزم من الطلب الإيقاد بالفعل. قوله : (في ظلمة) أي شديدة وهي ظلمة الليل والسحاب والريح مع المطر.
قوله : (فَلَمَّا أَضاءَتْ) الإضاءة النور القوي. قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) فقوله : (أنارت) أي نورا قويا والفاء للترتيب والتعقيب لأن الإضاءة تعقب الإيقاد. قوله : (ما حَوْلَهُ) يحتمل أن ما نكرة موصوفة وحوله صفة والضمير عائد على الموقد للنار ، وفاعل أضاءت ضمير يعود على النار ، ويحتمل أن ما اسم موصول وحوله صلة وهو صفة لموصوف محذوف تقديره المكان الذي حوله. قوله : (واستدفأ) أي امتنع عنه ألم البرد. قوله : (وأمن مما يخافه) أي من عدو وسباع وحيات وغير ذلك مما يضر ، وحينئذ فقد تم له النفع بالنار. قوله : (بِنُورِهِمْ) الضمير عائد على ما تقدم ضمنا في قوله : (فلما أضاءت) إذ المعنى أنارت على حد (اعدلوا هو أقرب للتقوى) ولم يقل بضوئهم إشارة إلى انعدام النور بالكلية ، بخلاف ما لو عبر بالضوء لأنه لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم ، والباء للتعدية كالهمزة فلذلك دخلت على المفعول ، ولا تستلزم الباء المصاحبة كالهمزة فذهبت يزيد مثل أذهبت زيدا خلافا للمبرد حيث