بوقوعهم في الشبهات واللبس (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) تفسيره (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) تفسيره (إِلَّا اللهُ) وحده (وَالرَّاسِخُونَ) الثابتون المتمكنون (فِي الْعِلْمِ) مبتدأ خبره (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) أي بالمتشابه أنه من عند الله ولا نعلم معناه (كُلٌ) من المحكم والمتشابه (مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ) بإدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظ (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٧) أصحاب العقول ويقولون أيضا إذا رأوا من يتبعه (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) تملها عن الحق بإبتغاء تأويله الذي لا يليق بنا كما أزغت قلوب أولئك (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) أرشدتنا إليه (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ) من عندك (رَحْمَةً) تثبيتا (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٨) يا (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ) تجمعهم (لِيَوْمٍ) أي في يوم (لا رَيْبَ) شك (فِيهِ) هو يوم القيامة فتجازيهم بأعمالهم كما وعدت بذلك (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٩) موعده بالبعث فيه التفات عن الخطاب ، ويحتمل أن يكون من كلامه تعالى ، والغرض من الدعاء بذلك بيان أن همهم أمر الآخرة ، ولذلك سألوا الثبات على الهداية لينالوا ثوابها ، روى الشيخان عن عائشة رضي
____________________________________
والمتشابه عجزوا عن فهم معناه كما عجزوا عن الإتيان بمثله. قوله : (ميل عن الحق) أي إلى الباطل. قوله : (بوقوعهم في الشبهات واللبس) أي كنصارى نجران ومن حذا حذوهم ممن أخذ بظاهر القرآن ، فإن العلماء ذكروا أن من أصول الكفر الأخذ بظواهر الكتاب والسنة.
قوله : (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) معطوف على ابتغاء الأول ، والمعنى أنهم يتجرؤون على تفسيره بتفسير باطل لا أصل له. قوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) أي تفسيره على الحقيقة. قوله : (إِلَّا اللهُ) (وحده) هذه طريقة السلف واختارها المفسر لكونها أسلم ، فالوقف على قوله إلا الله ، وأما طريقة الخلف فهي أحكم ، فالوقف على أولي الألباب ، فالراسخون معطوف على لفظ الجلالة ، قال بعضهم ويؤيد طريقة الخلف قوله تعالى بعد ذلك : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ). قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) كلام مستأنف قالوا وللاستئناف والراسخون مبتدأ ، وفي العلم متعلق بالراسخون وخبره يقولون كما قاله المفسر ، قال مالك : الراسخ في العلم من جمع أربع خصال : الخشية فيما بينه وبين الله ، والتواضع فيما بينه وبين الناس ، والزهد فيما بينه وبين الدنيا والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه.
قوله : (مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) أي ففهمنا المحكم وأخفى علينا المتشابه. قوله : (في الأصل في الذال) أي فأصله يتذكر قلبت التاء ذالا ثم أدغمت في الذال. قوله : (أصحاب العقول) أي السليمة المستنيرة. قوله : (من يتبعه) أي يتبع الباطل. قوله : (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) أي بعد وقت هدايتك وتبيينك الحق لنا. قوله : (تثبيتا) فسر الرحمة هما بذلك لأنه المراد هنا ، وأما في غير هذا الموضع فقد تفسر بالمطر أو الغفران. قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) أي الذي تعطي النوال قبل السؤال.
قوله : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ) منادي وحرف النداء محذوف ، قدره المفسر إشارة إلى أنه دعاء. قوله : (أي في يوم) أشار بذلك إلى أن اللام بمعنى في. قوله : (فيه التفات) أي على أنه من كلام الراسخين. قوله : (ويحتمل أن يكون من كلامه تعالى) أي فلا التفات فيه على مذهب الجمهور ، وأما على مذهب السكاكي ففيه التفات على كل حال لأنه أتى على خلاف السياق. قوله : (روى الشيخان) قصده