(فِي أَمْوالِكُمْ) بالفرائض فيها والجوائح (وَأَنْفُسِكُمْ) بالعبادات والبلاء (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) اليهود والنصارى (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) من العرب (أَذىً كَثِيراً) من السب والطعن والتشبيب بنسائكم (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على ذلك (وَتَتَّقُوا) الله (فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦) أي من معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها (وَ) اذكر (إِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي العهد عليهم في التوراة (لَتُبَيِّنُنَّهُ) أي (لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) أي الكتاب بالياء والتاء في الفعلين (فَنَبَذُوهُ) طرحوا الميثاق (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) فلم يعملوا به (وَاشْتَرَوْا بِهِ) أخذوا بدله (ثَمَناً قَلِيلاً) من الدنيا من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف قوته عليهم (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١٨٧) شراؤهم هذا (لا تَحْسَبَنَ) بالتاء والياء (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) فعلوا من إضلال الناس (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) من التمسك بالحق وهم على ضلال (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) بالوجهين تأكيد (بِمَفازَةٍ) بمكان ينجون فيه (مِنَ الْعَذابِ) في الآخرة بل هم في
____________________________________
الألف لالتقاء الساكنين ، ثم حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال ، ثم حركت الواو بحركة مجانسة لها. قوله : (لالتقاء الساكنين) علة لمحذوف تقديره وحذفت الألف المنقلبة عن الواو الأولى لإلتقاء الساكنين. قوله : (لتختبرن) حل لمعنى لتبلون ، والمعنى يعاملكم معاملة المختبر وإلا فهو أعلم بكم من أنفسكم. قوله : (بالفرائض فيها) أي كالزكاة والكفارات والنذور ، وقوله : (والجوائح) أي الأمور السماوية التي تهلك الزرع ، كالجراد والفأر والظلمة ، قوله : (بالعبادات) أي التكاليف بها ، وقوله : (والبلاء) أي الذى يصيب الإنسان في نفسه ، كالعمى والجراحات وغير ذلك.
قوله : (مِنْ قَبْلِكُمْ) جار ومجرور حال من قوله : (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وأصل لتسمعن تسمعون أكد بالنون ولام القسم ، حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال فالتي ساكنان ، حذفت الواو لالتقائهما ولوجود الضمة التي تدل عليها. قوله : (والتشبيب بنسائكم) أي بذكر محاسنهن وأوصافهن بالقصائد وتناشدها بينهم ، وكان يفعل ذلك كعب بن الأشرف لعنه الله. قوله : (على ذلك) أي المذكور من الإبتلاء في الأموال والأنفس ، وسماع الأذى من أهل الكتاب. قوله : (لوجوبها) أي فالصبر على ما ذكر والتقوى لله من الأمور الواجبة ، فإن من علامة الإيمان الصبر والتقوى ، وقبيح على الإنسان يدعي محبة الله ثم لم يصبر على أحكامه. قال العارف :
تدعى مذهب الهوى ثم تشكو |
|
أين دعواك في الهوى يا معنى |
لو وجدناك صابرا لبلانا |
|
لعطيناك كل ما تتمنى |
قوله : (بالياء والتاء في الفعلين) أي وهما ليبيننه ولا يكتمونه وهما قراءتان سبعيتان فعلى الياء إخبار عنهم وعلى التاء حكاية للحال الماضية. قوله : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) كناية عن عدم التمسك به ، لأن من لم يتمسك بشيء ولم يعتنه طرحه خلف ظهره. قوله : (شراؤهم) أشار به إلى أن ما مؤولة بمصدر فاعل بئس ، وقوله : (هذا) هو المخصوص بالذم ، وهذه الآية وإن وردت في الكفار تجر بذيلها على عصاة المؤمنين الذين يكتمون الحق وينصرون الباطل. قوله : (بالياء والتاء) فعلى التاء الخطاب للنبي أو لمن يصلح له الخطاب (الَّذِينَ) مفعول أول ، والمفعول الثاني محذوف دل عليه. قوله : (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) تقديره ناجين من عذاب الله ، وعلى الياء فقوله : (الَّذِينَ) فاعل ومفعولاها محذوفان تقديرهما