(رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ) أريد الخبر (لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٦٢) (أَ) كذبتم (وَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ) موعظة (مِنْ رَبِّكُمْ عَلى) لسان (رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ) العذاب إن لم تؤمنوا (وَلِتَتَّقُوا) الله (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٦٣) بها (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ) من الغرق (فِي الْفُلْكِ) السفينة (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بالطوفان (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) (٦٤) عن الحق (وَ) أرسلنا (إِلى عادٍ) الأولى (أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوه (ما لَكُمْ مِنْ
____________________________________
قوله : (وَلكِنِّي رَسُولٌ) قد وقع الاستدراك أحسن موقع ، لكونه بين ضدين : نفي الضلالة المتوهم ثبوتها ، وثبوت الرسالة المتوهم نفيها. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله : (رِسالاتِ رَبِّي) الجمع باعتبار تعدد الأزمنة ، والمراد بالرسالات المرسل بها التي هي الأحكام. قوله : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) النصح يتعدى بنفسه باللام ، وهو إرادة الخير للغير كما يريده لنفسه. قوله : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي من الأحكام التي تأتيه عن الله أو من العذاب الذي يحل بهم إن لم يؤمنوا. قوله : (كذبتم) أشار بذلك إلى أن الهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة على ذلك المحذوف. قوله : (موعظة) أي تخوفكم من عذاب الله إن لم تؤمنوا. قوله : (لِيُنْذِرَكُمْ) علة للمجيء ، وقوله : (وَلِتَتَّقُوا) مرتب على الإنذار ، وقوله : (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) مرتب على التقوى ، فهذا الترتيب في أحسن البلاغة ، وعبر في جانب الرحمة بالترجي ، إشارة إلى أن الرحمة أمرها عزيز لا تنال بالعمل ، بل بفضل الله. قوله : (العذاب) قدره إشارة إلى أن مفعول ينذر محذوف. قوله : (وَلِتَتَّقُوا) (الله) قدره إشارة إلى أن مفعول تتقوا محذوف أيضا.
قوله : (فَكَذَّبُوهُ) أي استمروا على تكذيبه. قوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ) قيل كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة ، وقيل تسعة : أولاده الثلاثة : سام وهو أبو العرب ، وحام وهو أبو السودان ، ويافث وهو أبو الترك ، وستة من غيرهم. قوله : (فِي الْفُلْكِ) يطلق على المفرد والجمع والمذكر والمؤنث. ووزن المفرد قفل والجمع أسد. قوله : (السفينة) وكان طولها ثلثمائة ذراع ، وسمكها ثلاثين ذراعا وعرضها خمسين ، وطبقاتها ثلاث : السفلى للوحوش والدواب ، والوسطى للانس ، والعليا للطيور. وركبها في عاشر رجب ، واسترت على الجودي في عاشر المحرم. قوله : (بِآياتِنا) أي الدالة على التوحيد ، وهي معزات نوح. قوله : (عَمِينَ) أصله عمين حذفت الياء الأولى تخفيفا ، وهو جمع عم يقال لأعمى البصيرة ، وأما عميان فجمع أعمى يقال لأعمى البصر.
قوله : (وَإِلى عادٍ) جرت عادة الله في كتابه ، أنه إذا كان للمرسل اليهم اسم ذكرهم به ، وإلا عبر بقوله قومه ، وقدر المفسر : (أرسلنا) إشارة إلى أن : (أَخاهُمْ) معطوف على نوحا ، والعال فيه : (أرسلنا) المتقدم ، والجار والمجرور معطوف على قوله إلى قومه ، فتكون الواو عاطفة عطف قصة على قصة ، وهكذا يقال في باقي القصص. قوله : (الأولى) يحترز به عن عاد الثانية فإنها قوم صالح. قوله : (أَخاهُمْ هُوداً) سمى أخاهم لأنه من جنسهم واجتمع معهم في جد ، لأن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، فسميت القبيلة باسم جدهم ، وهود بن عبد الله بن رباج بن الخلود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح ، وقيل ابن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، فعلى الأول قد اجتمع معهم في عاد ، وعلى الثاني لا ،