(أَجْراً عَظِيماً) (١١٤) (وَمَنْ يُشاقِقِ) يخالف (الرَّسُولَ) فيما جاء به (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) ظهر له الحق بالمعجزات (وَيَتَّبِعْ) طريقا (غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أي طريقهم الذي هم عليه من الدين بأن يكفر (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) نجعله واليا لما تولاه من الضلال بأن نخلي بينه وبينه في الدنيا (وَنُصْلِهِ) ندخله في الآخرة (جَهَنَّمَ) فيحترق فيها (وَساءَتْ مَصِيراً) (١١٥) مرجعا هي (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (١١٦) عن الحق (إِنْ) ما (يَدْعُونَ) يعبد المشركون (مِنْ دُونِهِ) أي الله أي غيره (إِلَّا إِناثاً) أصناما مؤنثة كاللات والعزى ومناة (وَإِنْ) ما (يَدْعُونَ) يعبدون بعبادتها (إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) (١١٧)
____________________________________
كان الفعل أو الأمر رياء وسمعة أو لغرض دنيوي لم يستحق به عند الله أجرا. قوله : (بالنون والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وفي قراءة النون التفات من الغيبة للتكلم ، لأن الاسم الظاهر من قبيل الغيبة. قوله : (أَجْراً عَظِيماً) أي وهو الجنة وما فيها ، قال تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) وفي التعبير بسوف إشارة إلى أن جزاء الأعمال الصالحة في الآخرة لا الدنيا ، لأنها ليست دار جزاء ، بل عطاء الدنيا لكل من وجد فيها أطاع أو عصى كلف أو لا.
قوله : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) الخ ، لما ذكر سبحانه وتعالى المطيعين وما أعد لهم في الآخرة ، ذكر وعيد الكفار وعاقبه أمرهم على عادته سبحانه في كتابه. قوله : (فيما جاء من الحق) أي من الأمور التكليفية والأحكام الشرعية. قوله : (وَيَتَّبِعْ) عطف لازم على ملزوم. قوله : (أي طريقهم) أي اعتقادا وعملا. قوله : (نُوَلِّهِ) هو (وَنُصْلِهِ) إما بسكون الهاء أو كسرها بدون إشباع ، وهو المسمى بالاختلاس أو بالإشباع ، فالقراءات ثلاث وكلها سبعية. قوله : (بأن نخلي بينه) أي المشاقق ، وقوله : (وبينه) أي الضلال ، والمعنى أن من خالف ما أمر الله به ، فإن الله يستدرجه بالنعم ويمهله ولا يعجل عقوبته ، قال تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) الآية.
قوله : (وَساءَتْ مَصِيراً) ساء كبش للذم فاعلها مستتر وجوبا يعود على جهنم ومصيرا تمييز ، والمخصوص بالذم محذوف قدره المفسر بقوله هي. قوله : (أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) أي إذا مات على ذلك لقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ). قوله : (لِمَنْ يَشاءُ) أي إن مات من غير توبة. قوله : (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) أي فالشرك أعظم أنواع الضلال ، إن قلت قد قال فيما سبق فقد افترى إثما عظيما ، وهنا فقد ضل ضلالا بعيدا ، فما الحكمة في ذلك؟ قلت : إن ما تقدم في شأن أهل الكتاب وهم عندهم علم بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الحق ، وإنما كفرهم عناد ، فسماه الله افتراء أي كذبا ، وما هنا في شأن مشركي العرب وهم ليس لهم علم بذلك إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ، فلذا سماه الله ضلالا بعيدا.
وقوله : (إِنْ يَدْعُونَ) هذا كالدليل ، والتعليل لقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) قوله : (ما) (يَدْعُونَ) أشار بذلك إلى أن إن نافية بمعنى ما. قوله : (يعبد المشركون) أطلق الدعاء على العبادة لأنه منها ، وكثيرا ما يطلق الدعاء عليها. قوله : (أصناما مؤنثة) أي لتأنيث أسمائها ، ورد أنه ما من مشرك إلا وكان له صنم قد سماه باسم أنثى من العرب ، وحلاه بأنواع الحلى ، وكانوا يقولون هم بنات الله. قوله :