بالوضيع والغني بالفقير بأن قدمناه بالسبق إلى الإيمان (لِيَقُولُوا) أي الشرفاء والأغنياء منكرين (أَهؤُلاءِ) الفقراء (مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) بالهداية أي لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه قال تعالى (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣) له فيهديهم بلى (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ) لهم (سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ) قضى (رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ) أي الشأن وفي قراءة بالفتح بدل من الرحمة (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) منه حيث ارتكبه (ثُمَّ تابَ) رجع (مِنْ بَعْدِهِ) بعد عمله عنه (وَأَصْلَحَ) عمله (فَأَنَّهُ) أي والله (غَفُورٌ) له (رَحِيمٌ) (٥٤) به وفي قراءة بالفتح أي فالمغفرة له (وَكَذلِكَ) كما بينا ما ذكر (نُفَصِّلُ) نبين (الْآياتِ) القرآن ليظهر الحق فيعمل به (وَلِتَسْتَبِينَ) تظهر (سَبِيلُ) طريق (الْمُجْرِمِينَ) (٥٥) فتجتنب وفي قراءة بالتحتانية وفي أخرى
____________________________________
من أخبار الأمم الماضية فتنا بعض هذه الأمة ببعض. قوله : (والغني بالفقير) أي ففتنة الغني بالفقير لسبق الفقير إلى الإيمان ، وفتنة الفقير بالغني زينة الدنيا يتمتع فيها مع كفره. قوله : (بأن قدمناه بالسبق إلى الإيمان) بيان لفتنة الأغنياء بالفقراء. قوله : (لِيَقُولُوا) اللام يصح أن تكون لام كي أو لام الصيرورة والعاقبة. قوله : (منكرين) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي على سبيل التهكم. قوله : (قال تعالى) أي ردا عليهم. قوله : (بلى) جواب الاستفهام التقريري.
قوله : (وَإِذا جاءَكَ) هذا من تتمة ما نزل في الفقراء. قوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) وصفهم أولا بالعبادة وثانيا بالإيمان إظهارا لمزاياهم. قوله : (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) الخ ، أي اذكر لهم هذه الآية إلى قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) في وقت مجيئهم إليك ، وهذا السّلام يحتمل أنه سلام التحية أمر أن يبدأهم به إذا قدموا عليه خصوصية لهم ، وإلا فسنة السّلام أن تكون أولا من القادم ، وعليه فتكون الجملة إنشائية ، ويحتمل أنه سلام الله عليهم إكراما لهم أمر بتبليغه لهم ، وعليه فتكون الجملة خبرية لفظا ومعنى ، وسلام مبتدأ ، وعليكم خبره ، وسوغ الابتداء بالنكرة كونه دعاء ، والدعاء من المسوغات.
قوله : (كَتَبَ رَبُّكُمْ) أي ألزم نفسه تفضلا منه وإحسانا. قوله : (وفي قراءة بالفتح) أي وهي سبعية أيضا ، والحاصل أن القراءات ثلاث ، فتحهما وكسرهما ، وفتح الأولى وكسر الثانية ، وكلها سبعية فأما الفتح فيهما فالأولى بدل من الرحمة ، والثانية في محل رفع مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي فغفرانه ورحمته حاصلان له ، وأما الكسر فيهما فالأولى مستأنفة جيء بها كالتفسير لما قبلها ، والثانية مستأنفة أيضا بمعنى أنها في صدر جملة وقعت خبرا لمن الموصولة ، وأما على فتح الأولى وكسر الثانية ، فالأولى بدل ، والثانية استئناف ، فتأمل فإنه زبدة احتمالات كثيرة. قوله : (بدل من الرحمة) أي بدل شيء من شيء. قوله : (بِجَهالَةٍ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل (عَمِلَ) ، والتقدير عمل سوءا حال كونه جاهلا بما يترتب على معاصيه من العقاب غافلا عن جلال الله ، وفيه إشارة إلى أن المؤمن لا يقع منه الذنب إلا في حال جهله وغفلته ، وهذه الآية لا تخص الفقراء الذين كانوا في زمنه صلىاللهعليهوسلم ، بل هي عامة لكل من تاب إلى يوم القيامة ، ولعموم بشارتها افتتح بها أبو الحسن الشاذلي حزبه.
قوله : (وَلِتَسْتَبِينَ) معطوف على محذوف قدره المفسر بقوله ليظهر الحق ، فطريق الهدى واضحة ،