إِنِّي مَعَكُمْ) بالعون والنصرة (لَئِنْ) لام قسم (أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) نصرتموهم (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بالانفاق في سبيله (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) الميثاق منكم (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١٢) أخطأ طريق الحق والسواء في الأصل الوسط فنقضوا الميثاق قال الله تعالى (فَبِما نَقْضِهِمْ) ما زائدة (مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) أبعدناهم عن رحمتنا (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) لا تلين
____________________________________
قوله : (وَقالَ) (لهم) أي للنقباء ، وعهد النقباء هو عهد بني إسرائيل ، أو الضمير عائد على بني إسرائيل عموما ، وسبب ذلك أن بني إسرائيل لما رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون ، أمرهم الله تعالى بالسير إلى أريحاء بأرض الشام ، وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون ، وقال لهم : إني كتبتها لكم دارا وقرارا ، فأخرجوا من فيها وإني ناصركم ، وأمر موسى أن يأخذ من كل سبط نقيبا أمينا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به ، فاختار النقباء ، وأخذ الميثاق على بني إسرائيل وسار بهم ، فلما دنا من أرض كنعان ، بعث النقباء إليهم يتجسسون أحوالهم ، فرأوا خلقا أجسامهم عظيمة ، ولهم قوة وشوكة فهابوهم فرجعوا ، وكان موسى قد نهاهم أن يتحدثوا بما يرون من أحوال الكنعانيين ، فنكثوا الميثاق وتحدثوا ، إلا اثنين منهم ، قيل لما توجه النقباء لتجسس أحوال الجبارين ، لقيهم عوج بن عنق ، وعنق أمه إحدى بنات آدم لصلبه ، وكان عمره ثلاثة آلاف سنة ، وطوله ثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثين ذراعا ، وكان على رأسه حزمة حطب ، فأخذ النقباء وجعلهم في الحزمة ، وانطلق بهم إلى امرأته ، فطرحهم بين يديها ، وقال اطحنيهم بالرحى ، فقالت لا بل نتركهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ، فجعلوا يتعرفون أحوالهم ، وكان من أحوالهم أن عنقود العنب عندهم لا يحمله إلا خمسة رجال منهم ، وأن قشرة الرمانة تسع خمسة منهم ، فلما خرج النقباء من أرضهم ، قال بعضهم لبعض : إن أخبرتم بني إسرائيل بخبر القوم ، ارتدوا عن نبي الله ، ولكن اكتموه إلا عن موسى وهارون ، ثم انصرفوا إلى موسى ، وكان معهم حبة من عنبهم ، فنكثوا عهدهم ، وجعل كل واحد منهم ينهي سبطه عن القتال ويخبره بما رأى ، إلا كالب ويوشع ، وكان عسكر موسى فرسخا في فرسخ ، فجاء عوج بن عنق حتى نظر إليهم ، فجاء إلى جبل وأخذ منه صخرة على قدر عسكر موسى ، ثم حملها على رأسه ليطبقها عليهم ، فبعث الله الهدهد فنقر وسط الصخرة المحاذي لرأسه ، فوقعت في عنقه وطوقته فصرعته ، وأقبل موسى فقتله ، فأقبلت جماعته حتى حزوا رأسه ، وهذه القصة ذكرها كثير من المفسرين ، قال المحققون : إنه لا عوج ولا عنق ، وإنما الصحيح من القصة وجود الجبارين وقريتهم ، وأنهم عظام الأجسام ، وبالجملة فالصحيح هو ما قصه الله علينا فيما يأتي في هذا الربع. قوله : (لام قسم) أي والله ، وجوابه هو قوله لأكفرن ، وحذف جواب الشرط لتأخره عن القسم اكتفاء بجواب القسم ، قال ابن مالك : واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ، جواب ما أخرت.
قوله : (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) أخره عن الصلاة والزكاة ، مع أنهما من الفروع ، لأن بعضهم كان يفعلهما مع كونه يكذب ببعض الرسل ، فأفاد الله تعالى أن عدم الإيمان لا ينفع مع فعل الطاعات قوله : (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) من التعزيز ، يطلق على التعذيب ، وعلى التعظيم والتوفير والنصرة ، وهو المراد هنا. قوله : (بالإنفاق في سبيله) ، أي واجبا أو مندوبا ، وهو أعم من الزكاة. قوله : (فنقضوا الميثاق) أي بتكذيبهم الرسل ، وقتلهم الأنبياء ، وتضييعهم الفرائض.